حين تقول أنا أخالف إمام المذهب الفلاني في المسألة الفلانية لأن العقل والمنطق والقرآن لا يقول ذلك، يأتيك الجواب: ومن أنت حتى تقول ذلك؟
من يقول هذا ينسى أن لديك عقلاً وقرآناً ونبياً معصوماً تستند إليه وعليه.. وطالما أنهم يؤمنون أن "اختلاف أمتي رحمة" فلماذا لا يحترمون حق الآخر الذي يختلف معهم في مسألة فقهية أو فكرية أو حتى عقائدية؟
لن نجد شيئاً واحداً مُتَّفقاً عليه في كتب التاريخ.. فلم يتفق هؤلاء الرواة حتى على تاريخ مولد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم. سنقول إنهم معذورون لأن التاريخ بدأ اعتماده من اليوم الأول للهجرة.. لكن كيف يختلفون على تاريخ وفاته وقد مات بين ظهرانيهم، وبعد اعتماد التاريخ الهجري؟
وحين تتقطَّع بنا السُّبُل ونضيق من الاختلاف يأتي هؤلاء الرواة لتطميننا بحديثٍ شريف يقول: "اختلاف أمَّتي رحمة"، وهم هنا -بكل تأكيد- يلوون عُنُق النصِّ ويؤوِّلونه كما يشاؤون.
حديث “اختلاف أمَّتي رحمة” صحيح لا غبار عليه، لكن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، كان يقصد بالاختلاف، اختلاف الناس إليه لسؤاله عن مسائل تُهمُّهم، والاختلاف إليه هنا كاختلاف الليل والنهار، أي التعاقُب والتَّتابُع.. وفي بعض القرى اليمنية يسمّون المراسل “مُخْتَلَفْ”، لأن عمله يقتضي الذهاب والمجيء، وأرباب اللُّغة يعرفون هذا الأمر جيداً.
هؤلاء يؤمنون بظاهر الكلام وكل ما يطفو على السطح، ويكفرون بالمجاز.. لأنهم سطحيون ولا يعرفون جوهر التأويل وحقيقة اللغة.. وماداموا يؤمنون أن “اختلاف أمتي رحمة” فلماذا لا يتركون رحمة الله تنزل؟ ولماذا يعترضونها بالتكفير وإباحة الدم؟
* نقلا عن : لا ميديا