احتفلت اليمن بالمولد النبوي الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام. فظهر من يؤكد وجوب الاحتفال، وظهر أيضاً من يطلق الفتاوى بتحريم هذه الاحتفالات التي هي أقرب إلى البدعة منها إلى اتباع السنة، مع أن السنة لا علاقة لها بالمولد النبوي، لأنها مناسبة احتفالية وفاءً وامتناناً للنبي الأكرم، الذي لولاه ما عرفنا النور والرحمة والهدى.
ماذا عسى المرء أن يقول عن محمد بن عبدالله، وهو فوق كل قول، وفوق قدرة الأبجدية على مديحه واستيعاب شخصيته؟! أما محاسنه فسيكون الحديث عنها شبيهاً بمحاولة إثبات ضوء الشمس. فمتى احتاج سيد الأولين والآخرين إلى دليل على واحديته وكماله واكتماله؟!
تذكرتُ قصيدة البردوني -رحمه الله- التي كتبها في الستينيات، وكأنه كان يستقرئ الوضع الذي وصلنا إليه، أو أنه كان يرى استمراره إلى ما لا نهاية. كانت الثورة حاضرة في قصيدة البردوني النبوية، وكانت عدن والسماسرة والجنوب حاضرة أيضاً في هذه القصيدة التي كانت أشبه بشكوى إلى النبي مما نعيشه...
يقول البردوني:
أرض الجنوب دياري وهي مهد أبي
تئنُّ مـــا بين سفَّــــاحٍ وسمســــارِ
يشدُّها قيد سجّانٍ وينهشها
سوطٌ، ويحدو خطاها صوت خمَّارِ
تعطي القياد وزيراً وهو متَّجرٌ
بجوعها، فهو فيها البايع الشاري
فكيف لانت لجلَّاد الحمى عدنٌ؟!
وكيف ساس حماها غدرُ فُجَّارِ؟!
وقادها زعماءٌ لا يبرُّهمُ
فعـــلٌ، وأقوالهـــم أقــوالُ أبرارِ
أشباه ناس وخيرات البلاد لهم
يا للرجــــال! وشعـــبٌ جائـــعٌ عارِ
أشباه ناس دنانير البلاد لهم
ووزنهـــم لا يســاوي ربـــع دينــارِ
ترى شخوصهمُ رسميّة، وترى
أطماعهم في الحمى أطماع تجّارِ
أكاد أسخر منهم ثم تضحكني
دعواهمُ أنهم أصحاب أفكارِ!
رحم الله البردوني، هذا الرجل الذي كان يرى ما لا يراه المبصرون، رغم فقدانه نعمة البصر. فما جدوى البصر دون بصيرة؟! وما جدوى البصر الذي يغضُّه أصحابه تجاه وطن يتهاوى دون أن يلتفت له أحد؟!
البردوني، هذا "الرائي في الزمن الأعمى"، كان يخبرنا بالنتائج قبل حدوثها، وهو يوقن أن لنا عيوناً لا نبصر بها.
* نقلا عن : لا ميديا