«الشاعر جحاف»
عبدالحفيظ الخزان محاكيا علي عبدالرحمن جحاف وبحميمية وبساطة وتلقائية ولا ألقاب، شاعران كبيران (الخزان وجحاف) هما وبشكل نحتي «الخزاف».. على المستويين الشعبي والنخبوي.. ويخاطب الشاعر الخزان في الشاعر جحاف الإنسان.. كأنما يكلم ذاته كما تحكيه القصيدة/ المرآة.
إذا أردت استخراج مفهوم الشعر ومعنى الشاعر.. في نصه.. فأين ستجده. أي شاعر يذكر الشعر أو القصيدة في أي موضع فإنك ستتعرف على مفهومه له ثمة.. تراه يسرد إحساساته به وتخلقاته في رحمه الشعرية ومخاضات ولادته.. وحيثما ذكر ذلك فلا تظن عزيزي القارئ أنه يفعل ذلك عبثا.. لذلك لا تفرط في بيت شعري أو مقطوعة كاملة يذكر فيها القصيدة كمفردة أو الشعر كلفظ.. أو كلاهما كسردية شعرية أو شعرية سردية أو مناجاة أو حتى مناغاة.. كما تناغي الأم رضيعها.. وبالمناسبة أريد أن أقول إن أصل العلوم الفلسفة وأصل الفلسفة الشعر وأصل الشعر الموسيقى وأصل الموسيقى مناغاة الرضيع.. فأحسنوا مناغاة الرضع فإنها أصل العلوم.
«الشاعر جحاف».. عنوان يضيء فيه الشاعر الخزان فضيلة الشعر كاملة.. لأنه يقف إزاء ذات شاعرة كاملة.. وبهذا التجريد أومضت صورته النفسية.. هذا ما سنلحظه في نص الشاعر جحاف والذي نرى من خلاله شخصية الشاعر الخزان.. بكل إبداعه وبكل آلامه وبكل إنسانيته.
«قال ابن خزان»
طاقة الهجاء الحرفية أو طاقة الحرف الهجائية المتمثلة في القافية بموازاة طاقة الهجاء الشعرية.. التي تضمنها النص. شعرية الطاقة الهجائية الحرفية تكمن في قافيته الألف نونية المركبة من حرفي الألف والنون وهما حرفان إذا اجتمعا في آخر الكلمة أعطياها طاقة تحمل مدلول يقينية «أل التعريف» كطاقة سيفية البرهان.. الطاقة الهجائية الشعرية بمظهرها اللفظي ومفرداتها القوية لا تتحقق إلا في سياق شعري مقذع.. كشرط لاستيفاء غرض الهجاء ليذهب إلى الخصم بصيغة أدبية تامة وإلا اعتبر ضربا من البذاءة.
«خاء التفاؤل»
سنرى أن فكر ما بعد الثورة يتوقد بين كلماتها في سياقها الكلي. المقطوعة لا أريد أن أصفها بالحالمة.. ولكنها مكتنزة برؤى ما بعد الثورة.. وكون العنوان يحمل صورة التفاؤل إلا أن له معنى عميقا.. ويأتي عمقه من طاقة قافية الخاء.. فالخاء في ذاته حرف بخباخ مانح إحساس الفخامة والمباركة وبنسق ثقافي غديري.
«دون زنارة»
هو الآخر عتبة نصية فيها رؤى «مابعدية» يحاكي ويحفز بها الشاعر الطاقات الحية في الواقع الثوري والاستعداد التفاعلي لتلقيها العام... ونرى فيها ضوءا فكريا متقدما أو بعيد المدى يكشف قدرة على كشف خطط وتفكيك خطاب العدوان وبالضرورة طرح استراتيجيات ثورية هي بمثابة رؤى محفزة على المضي قدما.. لما من شأنه تحقيق أهداف وغايات عليا بعيون الرائي الخزان. ليس هذا وحسب بل إن الخزان يعطي مؤشرات لما يجب أن يكون عليه الوهج الثوري.. ويبقي فلسفة شعرية على قيد الاتقاد في عدة نصوص.
وإن كانت القصيدة موجهة للعرب والمسلمين إلا أن «المعنى في باطن الشاعر» عبدالحفيظ الخزان أوسع.. أو بالأصح المعنى في بطن النص.. «دون زنارة».. عنوان يعطي مفهوم اليهودة بفتح الياء والواو والدال وسكون الهاء.. وأريد أن أضع مفهوم اليهودة ليس إقحاما وإنما دلالة قابعة خلف العنوان فالزنارة رمز يعني كل ما سنستفيض فيه هنا مما لا نعده إقحاما، فاليهودة على وزن الفعللة ولا تعني التهويد لكنها تعني ممارسة أي إنسان وعلى أي ملة كان، السلوكيات السلبية التي كان يمارسها اليهود مع المجتمع والأنبياء.
«خمس عبارات»
يشير العنوان إلى شعار «أنصار الله» على وجه ينسجم مع أدبياتهم ومع كل فلسفة إنسانية في العالم.. وامتدادا للفكر المعتزلي الزيدي بما تحمله أصوله الخمسة كأرقى ما توصل إليه العقل الإسلامي من مبادئ إنسانية على الإطلاق.. من حيث مفهومه للعدل ومبدأ المنزلة بين المنزلتين ومعناه التسامحي مع حرية الفكر ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بمفهوم الحسبة ولكن بالمعنى الفلسفي المتقدم/ النقد.
تغيير مسار القافية في قصيدة «خمس عبارات» صورة نفسية انعكاسا لواقع تغيير مسار تأويل «البراءة» على المستوى التوجيهي والبرامجي.. فطاقة الصاد صاخبة مدوية بعكس النون.. ولا أقول هذا اعتباطا.. ولكن خبرة في استنطاق الحرف وسياقاته.
«عيناك»
في هذه المقطوعة أيضا لن أخرج عن سياق العتبات.. مع أني سأتطرق إلى الصورة النفسية..
عيناك عينا رسول الله يعقوبا
وصبر قلبك يحكي صبر أيوبا
وفجر يوسف في أقصى تبلحه
وليل إخوته قد فر مرعوبا
يبدو من صدر البيت الأول أنه الشطر الوحيد الذي يتحدث عن العينين:
«عيناك عينا رسول الله يعقوبا»
ويبدو أيضا أن من عجز البيت الأول إلى نهاية النص خمسة أبيات علاقتها بالعنوان «عيناك» كبوابة لبهو مشاعر أكثر أهمية..
«وصبر قلبك يحكي صبر أيوبا».. الملاحظ في البيت الأول الصدر والعجز حضور المشبه والمشبه به وإضمار أداة الشبه ووجه الشبه.. ولست هنا للحديث عن أنواع التشبيه ولا الاستعارة، لأننا إزاء بناء بياني متدرج لصورة هرمية تضيق تدريجيا من أولها إلى آخرها من خلال إفقاده عناصر التشبيه شيئا فشيئا تتضاءل فيه أدوات التشبيه والشبه والمشبه به وأوجه الشبه إلى ألا يتبقى فيه سوى صورة مجردة غير مدركة بالحواس هي برؤية خاصة صورة نفسية.
«ماما حمدة»
السؤال المتبقي في الذهن وقد غادرت من النص السابق في الغالب أجد ما يروي ظمأه في النص الذي يليه.. فحين تساءلت عن الشخص الذي يقصده الشاعر بالنص وقد جال في ذهني أنه الشاعر نفسه مع أن العنوان بنصه وبصورة نصه النصية يحيلك إلى اليمن متمثلا يوسف وإلى الإخوة العرب متمثلين إخوة يوسف إلا أن ماما حمدة هي أيضا صورة الوطن كونها أحد رموز أوجاع اليمن.. وفي عينيها الباكيتين المبيضتين من الحزن على فقدان ذويها وفي وجهها الحاضر في الضرام المتجعد تبرز تفاصيل اليمن تاريخا وشعبا كليما.. عريقا.. تلتهب فيه سورات غضب وطن يحاول العدوان مصادرة حريته وجغرافيته وأملاكه وثقافته.
«سفر الأمنيات»
المفردة من قاموس الآخر لكنها أيضاً جاءت في سياق قرآني لبيان حالة الإيمان الصوري وأريد بهذا الشاهد أن أشير إلى سعة وأفق الشاعر في التعامل مع مفردات الآخر وكلها أيضا تدخل تحت سقف التسامح الذي قدمنا ذكره.. ومثلها عناوين تحتضن الآخر جغرافيا كعناوين منها وليد السامعي وغيره من مناطق لا ترحب بالآخر في زمن العدوان على اليمن لكن ثمة تجاوزا لمثل هذه الحواجز الأسمنتية في عرف الشاعر.
المرأة أيضا في منظومة الآخر حاضرة في محتويات الخزان.. في عناوين عدة أبرزها «ماما حمدة».
«السكري»
في معرض العناوين يرفل بقميص إنشادي ينبئ عن تناغم مروض مع المصاب.. مع استبعادنا أن يكون للقارئ الضمني حضور ترنيمة واحدة.. فلا حضور لعبدالعظيم عز الدين بصفته المنشد الأكثر التصاقا بالشاعر ولا غيره.. لكنها جاءت في هذا القميص المقلم كصوت طفولي فرح في ذاكرة الشاعر.. المحرم عليه تناول الحلوى.
«الأمن القومي»
أيضاً ناغم ويوحي وأنت تقرأه أن مجموعة رجال زاملين من مختلف فئات المجتمع ينشدونه.. بأثر من العنوان وبأثر من ذاكرة التلقي.. لأنه من الأهمية بمكان وفي حين أن هنا كسرا لنمطية المفهوم السائد الذي يعتقد أنها الجهة النظامية التي مهمتها حبس المشكوك في أمرهم من أنهم يشكلون خطرا على النظام.. في حين أن صيغة المفهوم واضحة وأنها تعني بتوفير الأمن على المجتمع.. والدولة والنظام.. وعلى أساس أنه واجب مشاع وشفاف وليس مقصورا على عسس السلطة.
* نقلا عن : لا ميديا