طوال آلاف السنين لم يشوِّه صنعاء شيء سوى صواريخ العدوان على اليمن، في محاولة بائسة من دول طارئة لطمس حضارة عمرها آلاف السنين، إنها محاولة تكشفُ حقدَ الصحراءِ على الحضارة.
بين “العرضي” وبين سور صنعاء القديمة ثلاثون متراً، وكانت طائرات العدوان وبارجاته تمطر “العرضي” بالصواريخ، في محاولة لزعزعة بيوت صنعاء وتهدمها. ولم يكن “العرضي” سوى عذر للقصف بحجة أنه هدف عسكري.
سورُ صنعاء القديمة يضمَّ كل السكان بداخله كأنهم أسرة واحدة، وبيوت صنعاء القديمة متلاصقةٌ في حميميةٍ سرمدية، وتكاد سطوحها تكون سطحاً واحداً. ورغم أن فكرة الانعزال وبناء الأسوار العالية طرأت في اليمن منذ حوالي عقدين من الزمن، إلا أن صنعاء القديمة قد بُنيت بهذا النمط المعماري لكي تبقى مكشوفةً كالشمس، فالجمال لا يليق به أن يكون محجوباً خلف الأسوار.
تصميمُ بيوت صنعاء وتلاصُقها له بُعدٌ آخر، لا علاقة له بضيق مساحة الأرض التي بُنيت عليها البيوت، لأنها لم تكن ضيقة، لكنها بنيت بهذا الشكل المتلاصق لكي تبدو متماسكة كبُنيانٍ مرصوص، كلُّ بيتٍ يسندُ الآخر، كي لا يسقطَ واحدٌ منها، وكي تبقى منتظمة كعِقدٍ أسطوري، وهذا ينعكسُ على اتساعِ قلوبِ سكانِ هذه البيوتِ وتقبُّلهم للآخر دون وضعِ أيِّ مسافةٍ بينهم وبين من يعيشُ إلى جوارهم، ولن تجدَ هذه الحميميةَ في أيِّ مدينةٍ عربية.
تم إدراجُ صنعاءَ القديمة على قائمة التراث العالمي في العام 1986م، كواحدةٍ من أهمِّ المدنِ التاريخيةِ والحضاريةِ الغنيةِ بتراثها وفنونها. وما صنعاءُ إلا واحدةٌ من مدنِ اليمنِ التي تبدو جميعها كأنها متحفٌ مفتوح.
وفي الـ11 من مايو 2015 أفادت منظمة اليونسكو بأن مبانيَ تاريخيةً مهمةً في مدينة صنعاء القديمة مصنَّفةً ضمن مواقعِ التراث العالمي تعرضت لأضرارٍ جسيمة، بعد أن أصابت صواريخُ العدوان على اليمن حيَّ القاسمي في صنعاء القديمة وأصابت بعضَ المنازل التي شُيدت قبل القرنِ الحادي عشر. وفي الثاني من يوليو 2015 أضافت اليونسكو مدينةَ صنعاء القديمة على قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر. لكن صنعاء تمرض ولا تموت كعادتها منذ الأزل.
* نقلا عن : لا ميديا