لا ينبغي النظر إلى الفن بمبعد عن التراث الثقافي الجمالي للفن الذي أصبح في العصر الإسلامي أكثر ارتباطاً بالواقع وبالإبداع.. والنظرة الواقعية للفن الإسلامي ينبغي أن تكون عميقة وموضوعية ومرتبطة بالبدايات الأولى وبمختلف المحطات الجمالية في الفكر الثقافي والجمالي الإنساني، والفن الإسلامي يعبر عن وعي وإدراك جمالي تاريخي وفلسفة جمالية امتزجت فيها مختلف الثقافات الإنسانية، وليس مجرد تعبير عن حالة من التجليات والانفعالات الفردية أو الجماعية.. وليس هو تقليد للثقافات الفنية الأخرى أو نقل لها، ومن الظلم والخطأ أن ينظر إلى هذا الفن وغيره من الفنون في العالم على أساس مفهوم الجمالي الذي وضعه الغرب.
ونستعرض في الأسطر التالية كتاب «الأبعاد الجمالية للفن الإسلامي» لمؤلفه عبدالرحمن سيف إسماعيل وهو من إصدارات الهيئة العامة للكتاب 2010م، حيث يتناول فيه من خلال أربعة فصول ماهية الفن وعلاقته بالديانات السماوية الثلاث، متطرقاً إلى الفن الإسلامي وفن الزخرفة الإسلامية وإلى النقوش والزخارف والعمارة اليمنية قديماً وحديثاً:
الفن والدين
يتحدث المؤلف في الفصل الأول من الكتاب عن علاقة الفن بالدين فيؤكد بأن العلاقة بين الفن والدين قديمة وجدلية، وبينهما ترابط عضوي وثيق الصلة بالواقع وربما أن المعبد ودار العبادة كانا من المواقع المنتجة للفن حيث برز الفن ليضفي على الآلهة الجوانب الجمالية والإبداعية باعتبار أن الإله جمل ومقدس وكامل ولهذا أضفت الفلسفة المثالية واللاهوتية على اختلاف تياراتها هالة خاصة على الدور التاريخي والثقافي للدين مؤكدين في الوقت ذاته «أن الفن والدين مرتبطان ببعضهما ارتباطاً عضوياً كظاهرتين لتقديم تفسير موحد للعالم وللتطوير الاجتماعي والروحي، وظلت هذه العلاقة في صراع عنيف بين ممثلي هذه الاتجاهات المثالية واللاهوتية وبين الفنانين الرواد الذين يحاولون الخروج من تأثير اللاهوت على إبداعهم الفني سيما في القرون الوسطى وعصر النهضة.
وحتى بالنسبة للديانات القديمة يقول المؤلف، وعبر تاريخ التطور البشري وجدت علاقة متميزة بينها وبين الفن.. وخلال تلك الفترة نشأت علاقة خاصة فجميع المؤشرات والمعطيات لا تشير إلى أي انفصال حدث قديما بين الديانات التقليدية والفن.
وخلال هذا الفصل أشار المؤلف إلى أن علاقة الديانة اليهودية بالفن أدى إلى قلة اهتمامهم بصناعة التماثيل واقتصر فن التصوير عندهم على بعض الرسومات الحائطية، وأيضاً في الديانة المسيحية والزخارف الإسلامية كما هو الحال في الديانة الإسلامية.. بينما عملت الديانة المسيحية على تطوير الفن من خلال القصص الأسطورية حول المسيح وميلاده وحياته، وعبرت عن ذلك من خلال الرسومات على جدران الكنائس.
وأما عن الفن الإسلامي فقد تأثر التصوير الإسلامي «المنمنمات» بفنون الصين والهند وفارس مقتبساً ومحدثاً إلا أنه شكل أسلوباً خاصاً تحول إلى مدارس متعددة، فأحادية المنظور هو الشكل السائد في العمل الفني، فالزخارف المعقدة كأشكال الورق والأشكال الهندسية تطور معها الخط العربي الذي نقل لأول مرة كجمالية قائمة بحد ذاتها في البناء المعماري.. مشيراً إلى أن توسع رقعة الدولة الإسلامية وإلحاق الكثير من الأقاليم الجديدة بالدولة الإسلامية كان له دور في تطور وازدهار الحركة الفنية والزخرفية عبر تلك الأقطار الجديدة.
الفن عند العرب
يشير المؤلف في بداية هذا الفصل إلى وجود جدل نشأ في الوسط الفلسفي والثقافي العربي، هل هناك فن عربي وهل الفن الإسلامي هو فن عربي أم ماذا؟، إلاّ أنه يتحدث عن فن عربي اسبق من الفن الإسلامي، وتدثر بدثار إسلامي في المرحلة التي أعقبت الدعوة المحمدية، وربما أنها تطورت فيما بعد في ظل اتساع رقعة الدولة الإسلامية والتي تداخلت مع ثقافات الحضارات الأخرى.
وأشار المؤلف إلى الحضارات العظيمة التي كانت سائدة في البلاد العربية قبل الإسلام في مصر وفي بلاد الرافدين وفي اليمن.. وبهذا فإن الحضارات الإنسانية تخلق معها فنوناً مماثلة، ووعياً بأهميته، ولما كانت الثقافة العربية والإسلامية قد خلقت وعياً متطوراً من مفهوم الحضارة والبناء الحضاري فمن الطبيعي أن يكون لهما تأثير مماثل على المستوى الإنساني والإبداعي والفن العربي الأصيل يجمع بين فن كل قطر انتشر فيه الإسلام أو ضمن الحكم العربي فإن هذه الميزة أيضاً تظهر في المغرب والأندلس بتمازج الفنين الشرقي والبربري.
الفن الإسلامي
وقد حدد المؤلف الفصل الثالث للحديث عن تطورات الفن الإسلامي خلال المراحل التاريخية المتعاقبة بداية من الخلافة الأموية والخلافة العباسية والفاطمية ومروراً بالدويلات التي كانت تظهر وتختفي في ظل وجود المركز الرئيسي للخلافة والتي أدت إلى التنوع الكبير في هذا الفن من خلال بناء المساجد والقلاع والقصور وغيرها من المباني التي كانت تشيد وتتأثر بالعديد من الفنون المختلفة، وخلال ذلك نشأت العديد من المدارس المختلفة والتي ساعدت بشكل أو بآخر على تنوع هذه الفنون مثل المدرسة السورية والمصرية والعراقية والفارسية والهندية والأندلسية، وحتى الخط العربي أصبح له فنه الخاص، وهكذا أزدهر الفن الإسلامي خلال تلك الفترات المتعاقبة وأثر وتأثر بالعديد من العوامل الخارجية خاصة بعد توسع رقعة الدولة الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً.
الفن الإسلامي في اليمن
وخصص المؤلف الفصل الرابع للفن الإسلامي في اليمن حيث أكد أن اليمن قد عرفت الفن بكل أشكاله وألوانه.. فالحضارة اليمنية القديمة تركت لنا عدداً واسعاً من الفنون وعلى وجه الخصوص الفن المعماري من قصور ومعابد ومحافد وسدود وحصون ومدرجات زراعية، وقد شكلت هذه البدايات الأساس للحركة الفنية الإسلامية التي تميزت في كثير من الأعمال الفنية، على وجه الخصوص العمارة الدينية التي بلغت الذروة في تطورها.
وتطرق المؤلف خلال هذا الباب إلى مختلف الفنون الإسلامية الموجودة في اليمن بداية بالتشكيل والنقوش والزخارف الإسلامية والعمارة وحتى الموسيقى، الأمر الذي يدل على مدى التطور الذي شهده اليمن تاريخياً، فعلى مدى مراحل معينة أنشئت القصور والقلاع وشيدت المساجد والقباب وشقت الطرق الجبلية وبنيت السدود والجسور في مناطق مختلف من اليمن لتنبئ عن حضارة ومهارة اليمني في هذه الفنون المختلفة.
كما استعرض أنواع الفنون الجمالية الموجودة في اليمن، منذ القدم وحتى الآن مثل التشكيل والموسيقى والنحت والفن المعماري الفريد والذي يحتوي على عدة مدارس يختلف باختلاف المناطق والعصور الزمنية المختلفة، مثل عمارة المساجد والقصور والقلاع والأضرحة وغيرها، كما قام بإجراء شرحاً مفصلاً لعدد من هذه الأمثلة والتي لازالت شامخة حتى يومنا هذا.
ونوه في ختام كتابه إلى أن للعمارة اليمنية خصائص ومميزات فنية في منتهى الأهمية، وهو ما مكنها من الوقوف بصمود وشموخ أمام كل المتغيرات التي تجري على أرض الواقع ومنذ آلاف السنين، مشيراً إلى أن ما يزيد من أهمية الطابع العمراني في اليمن أنه لايزال محافظاً وقائما بل أنه استوعب في إطار الفن المعماري الحديث، وبأسلوب يواكب كل المستجدات والتطورات الإنشائية على اعتبار أن التراث المعماري جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية.
* نقلا عن :الثورة نت