أظهرت جماهير الأمتين العربية والإسلامية، في مونديال كأس العالم بقطر حقيقة مشاعرها المعادية للكيان ورفضها لكل أشكال التطبيع معه، ما يؤكد أن الأنظمة التي انخرطت في مسار "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية أنظمة معزولة شعبياً، ولا تحظى خطواتها تجاه العدو بالحد الأدنى من الشرعية الشعبية، وأنه لو توافرت بيئة ديمقراطية في أنظمتها السياسية لما أقدمت تلك الأنظمة على عقد اتفاقيات التطبيع.
"في قطر عرفتُ مدى كراهية العرب لإسرائيل، وأنهم يريدون مسحنا من على وجه الأرض، وإلى أي مدى يثير كل ما يتعلق بإسرائيل حقداً شديداً في نفوسهم، سنغادر من قطر بشعور سيئ جداً".
"الفلسطينيون والإيرانيون والقطريون والمغاربة والأردنيون والسوريون والمصريون واللبنانيون ينظرون إلينا في الشارع نظرات كُره، عرّفنا بأنفسنا على أننا من إسرائيل، لكن عندما رأينا أن ذلك يؤدي دائماً إلى مواجهة صعبة مع العرب، وصولاً إلى الشتائم الصارخة، بلغة يمكن فهمها، قررنا تعريف أنفسنا بأننا صحافيون من الإكوادور".
هذا ما كتبه مراسلو صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في أثناء تغطيتهم كأس العالم بقطر، وعبروا عن مدى الاحتقار والكره الذي يكنه المواطنون من جميع الأقطار العربية والإسلامية لما يسمى "إسرائيل".
والمستغرب أن هؤلاء المراسلين مستهجنون هذا الشعور تجاه كيانهم، ربما لظنهم خطأً أن اتفاقيات التطبيع بين العدو وأنظمة عربية، فتحت الباب ليصبحوا جسماً طبيعياً في المنطقة، فهل اعتقدت وسائل الإعلام العبرية أن "اتفاقيات أبراهام" ستحفز الجماهير في المونديال على استقبالها بحفاوة؟!
أظهرت جماهير الأمتين العربية والإسلامية، في مونديال كأس العالم بقطر حقيقة مشاعرها المعادية للكيان ورفضها لكل أشكال التطبيع معه، ما يؤكد أن الأنظمة التي انخرطت في مسار "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية أنظمة معزولة شعبياً، ولا تحظى خطواتها تجاه العدو بالحد الأدنى من الشرعية الشعبية، وأنه لو توافرت بيئة ديمقراطية في أنظمتها السياسية لما أقدمت تلك الأنظمة على عقد اتفاقيات التطبيع.
لقد وثّقت الكاميرا على البث الحي والمباشر ردود الفعل التلقائية والعفوية بمجرد تعريف صحافي نفسه بأنه "إسرائيلي"، وتصدرت عبارة "لا يوجد شيء اسمه إسرائيل بل فلسطين" الرد الأولي على التعريف، وتبعته شعارات التضامن مع فلسطين والعداء لـ"إسرائيل".
سيطر الإحباط على موفدي صحافة العدو، بعد رفض مشجعي كرة قدم عرب ومسلمين من جنسيات مختلفة إجراء مقابلات صحافية معهم، وذلك تعبيراً عن موقفهم الرافض للتطبيع مع "إسرائيل" والداعم للشعب الفلسطيني.
وما عمّق حال الإحباط لدى صحافة العدو، وزاد من هواجس ومخاوف التأثير السلبي لمشاهد التصادم والالتفاف الجماهيري والشعبي حول القضية الفلسطينية، هو ما واجهه موفد "القناة 13" العبرية تال شور في الدوحة، حيث فوجئ خلال البث المباشر بتظاهرة احتجاجية رافضة للتطبيع ومساندة للشعب الفلسطيني.
انتشرت المشاهد المؤيدة لفلسطين والرافضة لـ"إسرائيل" على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت تفاعلاً وترحيباً واسعين من قبل الناشطين، وهو ما عزّز الرفض المتزايد لـ"إسرائيل"، ورفع مستوى التأييد للشعب الفلسطيني على نحو واسع.
هذه النتيجة عكست ما سعت له وسائل إعلام العدو، وبدلاً من التقدم خطوة في شرعنة كيانهم في المنطقة تراجعوا خطوات إلى الوراء، وبذلك فإن العدو لم يخفق في تسجيل هدف في مرمى الجماهير العربية والإسلامية وحسب، بل سجّل هدفاً ذاتياً في مرماه، ونجحت الجماهير في طرد فريق العدو من تصفيات الدور الأول في المونديال.
نتيجة فشلها الذريع، تعالت الأصوات "الإسرائيلية" التي طالبت بوقف مراسليها عن احتكاكهم بالجماهير في المونديال، وبات العدو يخشى تبعات هذا الفشل وأن تتأثر سلباً دعايته وتسويقه لاتفاقيات التطبيع، بعدما أخفق في أول اختبار على الهواء مباشرة.
لقد نجحت الجماهير في إيقاع "إسرائيل" في فخ المونديال الذي نصبته لهم وسائل إعلامها، ونجحت الجماهير في كشف أكذوبة التطبيع أمام العالم، وزادت العراقيل والكوابح أمام أنظمة مازالت تفكر في الالتحاق بـ"اتفاقيات أبراهام".
لقد أكدت الجماهير العربية والإسلامية أنها تنتمي إلى أمة واحدة، وأن ما يجمعها أكبر بكثير مما يفرّق، وأن العدو الوحيد لها هو "إسرائيل"، وأن محاولة أنظمة التطبيع وأدواتها الإعلامية صناعة عدو وهمي في المنطقة لن تنجح.
عكست فرحة الجماهير العربية بفوز المنتخب الإيراني على نظيره الويلزي، وترقّبها تحقيق انتصار آخر مرتقب على المنتخب الأمريكي، وفَرْحَة الجماهير الإيرانية بالنتائج الإيجابية التي حققتها المنتخبات العربية، حقيقة وعي الجماهير، وفشل حملات غسل الأدمغة التي أرادت خلط الحابل بالنابل، وصدحت حناجر الجماهير العربية والإيرانية لمصلحة فلسطين، بل عبّرت جماهير من جنسيات مختلفة عن تضامنها مع فلسطين.
إن الهتاف لفلسطين، مستنكراً وجود "إسرائيل"، شاهده العالم ورآه قادة العدو والمستوطنون على الهواء مباشرة، وراقبه المطبّعون ومن تراوده نفسه بالتطبيع.
كل ذلك سيذكر العالم بأن العدالة مازالت غائبة عن فلسطين، وبأن هذه القضية مازالت حية ولها امتدادها الطبيعي والتاريخي والحضاري العربي والإسلامي والإنساني، وستؤكد المشاهد للعدو أيضاً أنه غريب في المنطقة، وسيبقى غريباً، ولن يحظى بشرعية زائفة قد يعده بها نظام مطبّع في لحظة خاطئة سجلها التاريخ في سجل أمة المليار.
* نقلا عن : لا ميديا