عادةً ما تبدأ الحركات الثورية نشاطها العملي حال ظهورها بالمستوى الذي يريك الآثار والنتائج التي تبرز في أكثر من اتجاه، كعناوين لمدى ما يتحقق من إنجازات، أو كشواهد على حجم المسافة التي قطعتها نحو التقدم والبناء والإبداع، وفجأةً تبدأ تلك الآثار والنتائج بالاختفاء شيئاً فشيئاً، إلى أن تصل لمرحلة السقوط والتلاشي، وما ذلك إلا بسبب ما يطرأ على نفوس العاملين في تلك الحركات الثورية من خللٍ فكري، وانعدامٍ للوعي والبصيرة، وضعفٍ في الإرادة، وغيابٍ للنظرة القادرة على فهم الواقع،، ومعرفة ما يجب فعله تجاه ما قد يعترض طريقها من إشكالات، ويتهددها من أخطار، ويواجهها من تحديات، وينتظرها من مهام وأدوار، الأمر الذي يحتم علينا العمل على تعزيز هذه العوامل في نفوسنا، والمحافظة على بقائها حيةً حاضرةً قويةً دائماً، ولن يتأتى لنا ذلك إلا عن طريق التربية الروحية والفكرية والجسدية، التي تأخذ على عاتقها القيام بمجموعة من الوظائف والواجبات، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. إعادة الاعتبار للمفاهيم الدينية، من خلال العمل على جعل كل الواقع محكوماً بشريعته، ومنطلقاً وفق معاييره، بحيث يصبح هو الانعكاس الطبيعي لكل المظاهر والأعمال والأخلاقيات والمعاملات، والبعد الذي يتجلى من خلال ما تتمثله الروحية العامة، أو يصدر عن الفكر أو السياسة.
2. العمل على بناء مجتمع مستقل في سياسته وثقافته، وعلومه ومعارفه واقتصاده، بحيث نمنع عنه بذلك الوقوع في أتون التبعية للآخرين، والبقاء في أسرهم، والخضوع والارتهان لهم، في كل شيء.
3. التوجه الجاد نحو إيجاد نهضة علمية شاملة، نهضةٌ لا تتوقف عند الترجمة والهضم لعلوم ومعارف الآخرين، بغرض الاستفادة منها، وإنما تعمل على إنتاج العلوم والمعارف الخاصة بها، والتي تقتضيها الحاجة الملحة لبناء حاضرها ومستقبلها، وفق ما تقرره إرادة وعقول صانعيها، وبناءً على ما أوجدوه هم من أدوات، وأنجزوه من أفكار واكتشافات، وأبحاث علمية تعبر عن شخصية المجتمع التي انطلقت منه، وتحمل روحيته وآماله وتطلعاته، وتحرص على تلبية متطلباته، وسد كل جانب من جوانب النقص في احتياجاته المختلفة.
* نقلا عن : لا ميديا