“يارب امنحني أرجل العنكبوت لاتعلق أنا وكل أطفال الشرق بسقف الوطن حتى تمر هذه المرحلة” ..
تنازعتني الحيرة في طرح كلمات محمد الماغوط هذه لاسيما ان ”سقف الوطن” اياه قد خرب هو الاخر وصار الجميع مستباحا فلا الكبير نجا ولا الصغير وجد ملاذا للاحتماء به، ومناسبة هذه المقدمة أنني تذكرت كم أضناني التعب وانا ابحث وقتها عن تقرير اخباري او برنامج معين مخصص لما حل بأطفال مدرسة الفلاح في مديرية نهم اليمنية التي شهدت جريمة بشعة كانت صورة الطفلة اشراق وهي مضرجة بدمائها أهم ما تم توثيقه حينها .
اليوم اختلف الوضع مع قصة الطفلة بثينة الريمي الناجية الوحيدة من المجزرة التي ارتكبتها قوات ما يسمى ”بالتحالف العربي” في جبل ”فج عطان” بالعاصمة اليمنية صنعاء، حيث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بوسوم على غرار ”لعيون بثينة” و”بثينة عين الانسانية” حتى ان البعض دعا لوقف الحرب مستندا لصورها المؤثرة وكأن الامر فعلا بهذه البساطة والسهولة وبأن لا صوت يعلو على صوت ”الانسانية” في هذا العصر الذي ينبض ”حنانا وحبا” .
شخصيا كنت غائبا لفترة قصيرة عن متابعة المآسي العربية {حاولت ولم انجح } لكنني حين عدت صدمت من هول ما عاينته اذ كيف استيقظت ”النخوة” في قلوب الناس فجأة يا ترى ؟ وما الذي دعا الكثيرين كان الحديث عن اليمن واهله بالنسبة لهم أشبه باستحضار بلد من قارة امريكا الشمالية ؟
ولان قلبي لم يطمئن لما رأيت نبشت وبحثت وسعيت بوسائلي الخاصة حتى وصلت ”للحلقة المفقودة” وفعلا اذا عرف السبب بطل العجب، فقد وجدت ان قناة ”الجزيرة” والمنابر الالكترونية على غرار شبكة ”أجي بلس” {كلها تابعة لقطر} قد خصصت حلقات عن الطفلة بثينة وكانت ”الرافد” الرئيسي للهاشتاجات السالفة الذكر.
حتى ان قناة ”الجزيرة مباشر” طرحت مادة كاملة بعنوان”بعين الجزيرة” للحديث عن مأساة الطفلة اليمنية، هنا تذكرت مرة اخرى قصة الطفلة اشراق التي لم يبادر أحد لنشر ما حل بها سوى مقاطع بسيطة من قنوات محلية مثل”المسيرة” و”اليمن اليوم” واجزم {وبكل تواضع} ان حديثنا عنها هنا في هذه الصحيفة ”أجبر” منابر اخرى على البحث عنها ويمكن التأكد من خلال محرك البحث ”غوغل” .
لكن السؤال المنطقي هنا يقول: ما الذي استجد حتى تحلى الاعلام بكل هذه ”الانسانية” وتذكر مشاعره الجياشة تجاه طفلة يمنية لا تمثل الا جزاءا بسيطا مما يكابده أطفال هذا البلد الذين كانوا ومازالوا وسيظلون عرضة لأبشع المجازر؟ ولماذا لم يتم استحضار هذا المعطى منذ بداية ما يطلق عليه ”عاصفة الحزم” التي حصدت ارواح الصغار قبل الكبار؟
حقيقة أحاول ان اصدق ما ينشر واعجز عن ذلك بحكم ”الخلفية” المريرة التي بنيتها منذ بداية ”غزو اليمن”، وساقول لكم ان ”كلمة السر” هي ”الازمة الخليجية” وليس ”الوازع الانساني”..
اسف حقا ..
للحديث بقية ..
في سابقة: حسين فهمي أول فنان عربي يتضامن مع أطفال اليمن
قبل ان اطوي صفحة بثينة الريمي لابد ان نتوقف قليلا عند ”حدثين” ظاهرهما ”فني” لكن الباطن يحمل معاني أكبر، والحديث هنا عن الخطوة ”الشجاعة” للفنان المصري حسين فهمي الذي بادر ”للتضامن” مع الطفلة اليمنية في ”سابقة” عربية ان يتجرأ فنان عربي على ان يكسر او ”يعصي” الاوامر ويعلن الانصياع امام انسانيته قبل ”مصالحه” .
فتى السينما المصرية الوسيم نشر صورة له وهو يغمض عينه اسوة بالصور الملتقطة لبثينة وعيونها متورمة وتسعى جاهدة لفتحها، في خطوة فريدة تجعلنا لا نتردد في توجيه التحية له ولا نتردد في القول بأنه الوحيد الذي تذكر ان اليمن دولة عربية مسلمة جديرة بالاهتمام والاصطفاف في خندق شعبها الصامد الصابر.
والسؤال المطروح: هل سيحرك تصرف حسين فهمي ”غيرة” زملائه الاخرين تجاه هذا البلد؟ {شخصيا اشك في ذلك}.
كاتب مغربي