منذ أن وطأ المحتلُّ أرضَ اليمن في المحافظات الجنوبية -بمساعدة بعض العملاء الذين داستهم بياداتُ العساكر متعددي الجنسيات الذين جلبهم التحالف الدولي على اليمن بقيادة السعوديّة والإمارات- وهو يمارس غواية الإذلال، ويبالغ في إهانة من يقتاتون على موائده، من الذين هانوا على أنفسهم، فباعوا كرامتهم الوطنية والسياسية بدراهم معدودات، فنقصت قيمتهم في نظر المحتلّ، فكان حقاً عليه أن يمارس سياسة الإهانة والإذلال بهم وعليهم، وقد كان ذلك له، ففي سنوات العدوان الأولى كنا نسمع عن انتهاكات الكرامة للإنسان في عدن وفي بقية المحافظات المحتلّة، وقد تحدث عنها الكثير ممن وقعوا في حبائلها، وبثت بعض الفضائيات أفلاماً وثائقية توثق لتلك الانتهاكات، والتي كانت أخلاقية بالدرجة الأولى تمس كرامة الإنسان وعرضه وشرفه، نظير ما كان يقوم به ذلك المخدوع من هتاف وتأييد للمحتلّ في حالة عمه وانسياب كامل وراء بعض القيادات التي باعت اليمن وكرامته وسيادته، فأمست كلاباً تنبح كُـلّ وطني، وتقاد من قبل المحتلّ بصورة مهينة وذليلة.
بعد أن فرغ المحتلّ من الانتقاص من قيمة الإنسان في المحافظات المحتلّة بمساعدة بعض أحذيته، شرع في الانتفاص من قيمة العملاء الذين تم تنصيبهم كقادة، فنال هادي نصيبه من تلك الإهانات، وتبعه كُـلّ طاقمه الذين التفوا حول مائدة الهوان، وكل عميل مرتزِق نال نصيبه من الإهانات ومن الانتقاص والإذلال، وفي اليمن يقال: “من هان أترخص”، فهادي تحول إلى قطعة أثاث مهملة في أحد شوارع الرياض، والعليمي يتعاملون معه كخادمٍ أمين يجيد طباخة خبز “الخمير والطاوة”، ومعين عبدالملك يتعاملون معه كخبازٍ ماهر يجيد صناعة خبز “الملوح”، وكانوا يرون في الزبيدي كقوادٍ ماهر يجيد النخاسة وجلب الجواري الحسان للجنود الإماراتيين، ويرون في طارق حاجباً على باب الخليفة، ولذلك خضعوا دون استثناء أحد لاتّفاقٍ عسكري ينص على حق الإمارات في التدخل العسكري والأمني في اليمن، في حال تعرضت مصالحها للخطر، وهذا الاتّفاق يخول الإمارات ضرب اليمن إذَا رأت تفعيل منطقة التجارة الحرة في عدن مثلاً؛ لأَنَّ ذلك يشكل خطراً على اقتصادها ومصالحها، كما أنه يشكل غطاءً قانونياً للإمارات في حال لجأت اليمن للمحاكم الدولية بشأن الكثير من القضايا والانتهاكات التي حدثت للأرض والإنسان طوال سنوات العدوان.
حاولت دول العدوان خلال السنين السوالف ضرب بعض القوى ببعضها حتى نالهم من الضعف ما نالهم، ضربت الإخوان بالانتقالي، وحاولت أن تضعف الانتقالي من خلال قبائل شبوة وحضرموت، وأن تضعف السلفيين بالمواجهات في الجبهات مع الجيش واللجان الشعبيّة في مختلف الجبهات، حتى إذَا حدث التوازن في موازين القوى، وكانت الغلبة لفصيلٍ واحد فقط، هو فصيل ما يسمى بالمقاومة الوطنية الذي توفرت له كُـلّ الإمْكَانات العسكرية وغير العسكرية، مالوا إلى حركة التصفيات في صفوف العملاء من القيادات، ومن وافق على الصمت والتواري نجا مثل هادي وابن بريك وتبعهم الزبيدي، ومن تمرد وعصى تناله الأيادي الآثمة بأية وسيلة من وسائل الاغتيال، وحركة الاغتيالات تنشط كَثيراً في المحافظات المحتلّة وعلى وجه الخصوص في السنة الأخيرة.
اليوم تبرز حركة التمرد على القرارات مع استمرار الصلاحيات للسلف، أي يصدر قرار تعيين فيرفض القديم التسليم للجديد، ويستمر في ممارسة الصلاحيات دون أن تقوم الجهات المالية بوقف التعامل مع السلف، وهي ظاهرة لها أشهر ويقود الإخوان حركة التمرد على القرارات في الجوف وفي تعز ومأرب، وفي المعسكرات التي تحت سيطرتهم، ويبدو أن تصفية الإخوان تتم بطرقٍ سلسلة اليوم، إذ المعهود هو ضرب قوة بأُخرى وثمة تطور حدث ويحدث اليوم في المسارات كلها.
زعزعة التماسك بين القوى الموالية للعدوان مصير محتوم يعرفه التاريخ جيِّدًا وليس غريباً، لكن الذين اعتادوا الهوان والذل ودرجوا على التفاعل مع أكل السحت لا يمكنهم الاتعاظ من عبر التاريخ ومواعظه، ولعل هذه السياسة تهدف اليوم إلى استمرار السيطرة وفرض ثنائية الهيمنة والخضوع، فكل قوة من القوى الموالية للعدوان تشعر بالنقص ولا تتكامل إلَّا مع رغبة الآخر ومصالحه، وهي اليوم على أهبة الاستعداد لانتهاز فرص الانتقام والثأر ولعل ذلك من سياسة المحتلّ في فرض التوازن بين القوى حتى لا يفقد السيطرة على مقاليد الأمور في حركة الواقع.
مصير اليمن على رمالٍ متحَرّكة وقد أصاب العملاء العمه فأصبحوا في طغيانهم يعمهون ولا سبيل لنا سوى المقاومة حتى ننتصر والله غالب على أمره.