لا تفوّت وسائل إعلام غربيّة وعربيّة فرصة للتصويب على طهران ودمشق من بوابة اختلاق أخبار تستهدف الرأي العام، وتحاول زرع الشكوك في العلاقة الاستراتيجية القائمة بين طهران ودمشق، خاصة أن البلدين يعانيان من حصار أمريكي تتفاوت نتائج تأثيراته نتيجة ظروف كلا البلدين.
مؤخراً، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارة إلى دمشق التوصل إلى اتفاق تجديد وثيقة التعاون الاستراتيجي بين البلدين، كاشفاً أنّ "التعاون بين طهران ودمشق مستمر في كافة المجالات ولاسيما في مجال الطاقة"، وأنه أجرى "مباحثات بشأن إنشاء محطات للكهرباء في سوريا".
فـــي ذات المؤتمـــر الصحفي، تحدث وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عن العلاقة بين البلدين، متسائلاً: "تصوروا لو لم يكن لسوريا بلد حليف كالجمهورية الإسلامية.. ماذا كان سيحصل؟"، في إشارة إلى تطور العلاقة ومدى متانة التحالف الاستراتيجي بين بلاده وطهران في شتى المجالات ومنها المسائل الحيوية المتعلقة بالطاقة.
تزامناً مع الزيارة، خرجت صحيفة "وول ستريت جورنال" الغربية بخبر مفاده أن مسؤولين إيرانيين "أبلغوا سوريا بأنه يتعين عليها الآن دفع المزيد مقابل شحنات النفط الإضافية"، ونسبت إلى أشخاص قالت إنهم مطلعون على الأمر قولهم إن "إيران رفضت أيضا تسليم شحنات جديدة بالدفع المؤجل، وطلبت من سوريا الدفع مقدما مقابل إمدادات النفط الجديدة". وتقول الصحيفة إن طهران لا تساعد حلفاءها.
في الواقع، نشر الخبر الذي لا وقائع له أو مؤشرات، لسببين، أحدهما سياسي مرتبط بزيارة عبد اللهيان والآخر مرتبط بسياسة تحريف الحقائق عبر تجهيل أسباب الأزمة الاقتصادية والمعيشــــية فــــي سوريا والتعمية على مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن الأمر، فالأخيرة هي من تشدد الحصار الذي تفرضه على سوريا، وتحتل أرضها وتنهب نفطها وتصدّره لحساباتها عبر شركات يدير بعضها رجال أعمال من الكيان "الإسرائيلي".
سياسياً، أرادت الصحيفة عبر الخبر الذي تبنته جميع وسائل الإعلام المناوئة لدمشق وطهران أن تشوش على زيارة الوزير الإيراني إلى سوريا، خاصة أن الحديث هناك دار عن تجديد لاتفاقية التعاون الاستراتيجي وكذلك التعاون في مجال الطاقة والبحث في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء، وتنفيذ اتفاقيات وقعت مسبقاً وأخرى سيتم توقيعها في المستقبل القريب، ربما خلال زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيس إلى دمشق.
إعلامياً، إن مراجعة بسيطة لواقع العلاقة بين دمشق وطهران خلال الحرب، يبين حجم ما قامت به طهران لأجل حليفتها دمشق، والذي وصل إلى حد المخاطرة أحياناً. على سبيل المثال: إرسال طهران بواخر نفط إلى سوريا، رغم إمكانية توقيفها، وهو أمر حصل عام 2019 عندما أوقفت إحداها في جبل طارق، مما اضطر طهران إلى توقيف ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز خالفت قوانين الملاحة الدولية. في حقيقة الأمر إن تلك الناقلة الإيرانية كانت تتوجه إلى سوريا بعد قطع مسافات مضاعفة في البحر والمحيط قبل الدخول إلى المتوسط. وبالمناسبة، حتى لحظة كتابة هذا المقال، فإن ناقلات النفط الإيرانية لا تتوقف عن الإبحار نحو سوريا. أما الأسعار فهي عرضة للمتغيرات حسب السعر العالمي، لكنها لا توازيه، أي أن طهران لا تبيع حليفتها نفطا بسعر السوق إنما بأسعار أقل حتما، وهذا أمر تؤكده الجهات المعنية في الدولتين.
في الوقائع، إن الإعلام الغربي بشكل عام، ومعه الإعلام العبري والعربي، لا ينفك عن محاولاته لتجهيل الوقائع، وحرف الأنظار عن الأسباب التي تقف خلف معاناة السوريين قاطبة، وعلى رأس هذه المسببات الحصار الذي تفرضه واشنطن على دمشق.
تؤكد أوساط متابعة للعلاقات القائمة بين أركان محور المقاومة، من دول وقوى مقاومة، أن المحاولات الإعلامية الغربية تهدف إلى تصوير أن طهران هي من يحاصر سوريا وليس الولايات المتحدة وحلفاؤها، وهو ما تدحضه الوقائع، بل ويثير الدهشة، فيكفي وضع خارطة وتحديد مناطق تموضع الأمريكيين كقوة احتلال في سوريا، لمعرفة من يحاصر. وتتساءل تلك الأوساط، من يعطل مشاريع المساعدات في مجلس الأمن؟ ومن يعمل على إخافة النازحين واللاجئين ومنعهم من العودة إلى ديارهم؟ ومن يفبرك ملفات كملف الكيميائي مثلاً لتشريع استهداف سوريا؟ وتجيب: أليست واشنطن وشركاؤها؟
وتؤكد تلك الأوساط أن المشهد في واقعه وواقعيته وهو يحدث عن نفسه، أن طهران تناصر سوريا، فيما واشنطن تحاصرها وتزيد من خنق الشعب السوري، وأن ما لم يحصّلوه في الحرب العسكرية عبر الإرهاب أو الاستهداف المباشر، لن يحصّلوه في الحرب الإعلامية.
كـــاتـب وإعلامـــي لبنانـــي
* نقلا عن : لا ميديا