بعد مضي ما يقارب العشرين عامًا أو يزيد منذ ولادة المشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) وإلى اليوم نشهد وبجلاء أحقية وفاعلية هذا المشروع العظيم في توجيه وتربية الأمة التربية الصحيحة التي أوجبها الله تعالى كقاعدة أساسية يجب على كل فردٍ مسلم التقيد والتسليم بها، فكل ما نراه اليوم من حقائق وشواهد كانت خفية عنا، كان ولا شك للمشروع القرآني فقط الفضل في كشفها وتعريتها للناس انطلاقًا من مبدأ عين على القرآن وعين على الأحداث وهو المبدأ الذي يشهد اليوم على واقعية القرآن ومطابقته الدقيقة للواقع والأحداث، كما سبق للشهيد القائد (رضوان الله عليه) وأن أفصح عنه بغية إخراج الأمة من المأزق الذي كانت واقعة فيه.
تحصين الأمة:
يركز المشروع القرآني للشهيد القائد (رضوان الله عليه) في مضمونه وبشكلٍ جوهريٍ على ضرورة تحصين الأمة من الداخل، وفق الهداية القرآنية، ضد مخططات العدو ومؤامراته التي تستهدف بنيتها وستؤثر بصورة سلبية في حال نجاحها، على وحدتها ومعتقداتها وفاعليتها في خدمة هدى الله بالشكل المطلوب، فالقرآن يحتوي على رؤية ثاقبة تهدف إلى تعبئة الأمة تعبئة معنوية عالية، وتعبيدها على احترام وتطبيق توجيهات وأوامر الله بما تمليه عليها مسؤوليتها تجاه كل ما يعترضها من تحديات يفرضها العدو، والانطلاق كما ينبغي في مواجهة هذه التحديات وفي ذلك قال قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) في كلمته بمناسبة ذكرى الشهيد القائد في العام 1440هـ: “يتجه المشروع القرآني إلى تحصين الأمة من الداخل، وفق الهداية القرآنية التي تركز على هذه النقطة بشكلٍ جوهري، ويركز القرآن الكريم على رؤية واسعة وكاملة، وفي نفس الوقت تعبئة معنوية عالية، وتربية على الشعور بالمسؤولية بشكلٍ كبير، وإيجاد طاقة معنوية هائلة لتحمل المسؤولية، والانطلاقة كما ينبغي في مواجهة هذه التحديات”.
زكاء النفوس والوعي بالعدو وبمخططاته:
لم تكن إشكالية الأمة في الفترة التي سبقت انطلاقة المشروع القرآني تتمثل في جهل الأمة وعجزها عن إيجاد الحلول المناسبة لكل المشاكل والأزمات التي تعاني منها، سواءً على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وإنما كانت الإشكالية الكبيرة التي قيدت الأمة وحجبت عنها رؤية المسار الصحيح والوحيد الذي يتوجب عليها السير فيه لحل كل تلك المشاكل والأزمات، هي مشكلة انعدام زكاء النفوس بالإضافة إلى عدم وجود وعي قرآني للأمة، فمتى ما نما الزكاء في نفوسنا، ابتعدنا عن فعل المفاسد وارتقت الهمم فينا وصفت النوايا التي نكنها والأعمال التي نريد القيام بها في سبيل الله، وأصبحت أكثر إخلاصا وصدقًا، وهنا لا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال الفصل بين الزكاء والوعي على اعتبار أن ارتباطهما ببعضهما هو ارتباطٌ لازم ووثيق، لأنه متى ما تحقق فينا الزكاء سنكون على درجة عالية من الوعي الذي يريده لنا القرآن الكريم، وهو الوعي الذي يمكن من خلاله ولاشك معرفة وكشف المتسبب في خلق كل المشاكل والأزمات، حيث أن مسألة انعدام الوعي تعني تنامي خطورة العدو على وجود الأمة، وتنامي فرص السيطرة عليها وشلها وتفتيتها وتجهيلها أكثر وأكثر، بالصورة التي تضرها وتخدم العدو في مقابل كل ذلك، وفي هذا الصدد تنبغي الإشارة إلى أن قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) سبق وأن بين ووضح لنا في كلمته بمناسبة ذكرى الشهيد القائد في العام 1440هـ، ما تعنيه مسألة زكاء النفوس والوعي مؤكدًا أن الأمة بكلها في معركة مهمة وخطيرة مع العدو الأمريكي والصهيوني تحتاج فيها إلى الوعي وزكاء النفوس، وينبغي فيها فهم ومعرفة كل الأساليب الخطيرة التي يمارسها العدو من أجل نشر الفساد والرذيلة في أوساط الأمة، ما يعني ضرب حالة الزكاء في النفوس، حالة القيم، حالة الأخلاق، والحالة المعنوية من الداخل في نفوس الناس، مبينًا أن القرآن الكريم أولًا وقبل كل شيء هو كتاب تزكية للنفوس، والمشروع القرآني المستمد من القرآن الكريم أيضاً يكتسب هذه الميزة من القرآن الكريم ومن نوره وهدايته؛ فيقدم ما يساعد- كمنهج وكتربية وكمسار عمل- على تزكية النفوس لمن يتفاعل طبعاً، ولمن يكون صادقًا في ارتباطه بهذا المشروع، كما أنه يقدم أيضاً حالة عالية من استشعار المسؤولية، وهذه مسألة مهمة في واقع الأمة؛ لأنها أي الأمة ضُرِبت في مراحل تأريخية متتابعة، وكل ذلك ما كان إلا نتيجة تجردها من الإحساس بمسؤوليتها حتى أصبحت ترى في الإسلام دين طقوس وعبادات ومعاملات فقط، متناسيةً مسألة الشعور بالمسؤولية كجانب مهم لا يجب التغافل عنه، وهو ما أدى إلى تنكرها وجوب أن تكون أمةً تسعى إلى إقامة الحق، والتصدي للباطل والطاغوت، ومواجهة كل صور الظلم والاستعباد، والتصدي للأعداء.
ما يلزم لتفعيل مسألتي الوعي والزكاء:
أكد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) أيضًا في كلمته بمناسبة ذكرى الشهيد القائد في العام 1440هـ، على ضرورة قيام الأمة بواجباتها تجاه كل ما يُحاك ضدها، مشددًا على أن المشروع القرآني يوجب لتفعيل مسألتي الوعي والزكاء، ضرورة إيجاد برامج للعمل والتعبئة المعنوية، وإيجاد أنشطة عملية في كل المسارات السياسية والإعلامية والاقتصادية، بحيث نستطيع من خلالها التصدي للعدو سياسياً، وإعلامياً، واقتصاديا، لأننا بذلك سنكون قادرين على إفشال كل مؤامرات العدو ومخططاته، وسنصبح أمةً قويةً ومنتجة تعي وتدرك جيدًا أهمية الخلاص من التبعية للأعداء، انطلاقًا من شمولية المشروع القرآني وتكامله الذي نلحظه اليوم في كل الساحات وكل المجالات وكل الاتجاهات، ناهيك عن شموليته أيضًا في التحرر من الأطر الضيقة التي تكبِّل الأمة، سواءً على مستوى الأطر الجغرافية، أو الأطر المذهبية، أو غيرها من الأطر، في أي شكلٍ من أشكالها الضيقة التي تكبل الأمة.
* نقلا عن : موقع أنصار الله