نكتُبُ هنا لنوثِّقَ للتاريخ الإنساني بأنّ الأشقاء الخليجيين، وهم مَن يُطلَقُ عليهم “دول مجلس التعاون الخليجي” لم يشنّوا أيَّةَ حرب مُنذ أن أسّسوا حِلفَهم العسكري سوى على أشقائهم العرب.
شنّت المملكةُ العربية السعوديّة، ومعها دول الخليج، باستثناء الشقيقة سلطنة عمان، مع حلف عربي إسلامي عسكري مساند مُكوّن من 17 دولة، شنّت عُدوانها على الجمهورية اليمنية في صبيحة يوم الخميس الموافق 26 آذار/ مارس 2015م، ومُنذ تلك اللحظات العصيبة وحتى يومنا هذا في نهاية آذار/ مارس 2023 وما زال العُدوان مُستمرّاً.
فيما عدا ما تمّ التفاهُمُ عليه بين العواصم المتحاربة “صنعاء والرياض وأبو ظبي” من تفاهمات ما تسمّى بالهُدنة المتجدّدة، وفتح مطار صنعاء أمام المواطنين اليمنيين للسفر إلى مدينة عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، وتبادل الأسرى عبر الفريق التفاوضي للأمم المتحدة، وتسهيل دخولِ عددٍ من السفن التجارية إلى ميناء الحديدة؛ فيما عدا ذلك فالحرب بيننا وبين دول العُدوان مُستمرّة حتى لحظة كتابة مقالنا هذا.
نحن نكتُبُ هنا لنوثّقَ للتاريخ الإنساني بأنّ ما جرى من عدوان وحشي وطيلة 8 سنوات وندلف في العام التاسع، من قبل الأشقاء الخليجيين وهم من يطلق عليهم “دول مجلس التعاون الخليجي” الذين لم يشنّوا أي حرب مُنذ أن أسّسوا حِلفهم العسكري سوى على أشقائهم العرب وتحديداً على الجمهورية اليمنية في العامين 1994 و2015، وجمهورية العراق في العام 1991، وإخماد ثورة الشعب البحريني في العام 2011، والجمهورية العربية السورية في العام 2012، والجماهيرية العربية الليبية في العام 2011، هذا هو إنجازهم العسكري البارز الذي سطّروه منذ أن تمّ تأسيس مجلسهم الموقّر.
لكن التاريخ أَيْـضاً لم ولن يسجّل لهم موقفاً معادياً من دولة الكيان الإسرائيلي الصهيوني المحتلّة لأرض فلسطين التاريخية منذ 74 عاماً، ولا من حكومة شاهنشاه إيران، ولا لاحقاً من الجمهورية الإيرانية الإسلامية بناء على النزاع حول الجزر في قلب مياه الخليج منذ العام 1970، ولا حتى من جمهورية إرتيريا التي احتلت جزر حُنيش وزَقر اليمنية في العام 1998.
وهنا تأتي المفارقةُ العجيبة؛ كي يُسَجِّلَ التاريخَ في مُقبِلِ الأزمان بأن تلك الدول الخليجية الباذخة الثراء قد وجّهت حِرَابَ أسلحتها ضدّ أشقائها العرب، وتخاذلت باستحياءِ ضدّ الآخرين!
الأكثرُ غرابةً أن دولتَي العُدوان السعوديّ الإماراتي -بدلاً عن أن تقف في مساندة ومؤازرة الجمهورية اليمنية وحماية جُزرها وشواطئها- شنت عدواناً عليها واحتلت جزرها مثل أرخبيل وسقطرى وجزيرة ميّون، كما احتلت موانئ عدن، وبالحاف، والمخاء ونشطون، وهُنا تكمن المفارقة والتعجّب.
الجميع يدركُ، ومنهم العسكريون والمراقبون، بأن المناطقَ الرخوةَ في أية حدود لأي بلد هي المناطق الساحلية، والتاريخُ أنبأنا بأنَّ جميعَ الغزوات المعادية لليمن بدأت من الشواطئ اليمنية؛ فالغزو الروماني على اليمن، وكذلك الغزوات الحبشية، والبرتغالية، والتركية والبريطانية، وحَـاليًّا الغزوات الخليجية (السعوديّة والإماراتية والأميركية) جاءتنا من البحر، لكن تذكّروا جميعاً بأن الغزاةَ الأجانبَ وُئِدوا في تراب اليمن الطاهر، وبقيت اليمن وتَحلّل الغزاة من جميع الأقوام، هكذا تُعلِّمنا الحكمة بأن اليمن هي مقبرة للغزاة.
الآثارُ المؤلمة التي تركها العُدوان الخليجي على اليمن طيلة 8 أعوام:
أولاً: بعد مرور هذه السنوات من العدوان الوحشي على شعبنا اليمني، اتضح للغالبية الساحقة من مواطنينا أنّ العدوانَ مُقبِلٌ من عواصم عرب (الخليج) وهي: الرياض، والدوحة، وأبو ظبي والمنامة.
وأيةُ ترديد لأية شعارات أُخرى حول العُدوان هو هراءٌ بيِّنٌ وواضح وجلي، ولا يردّد كُـلّ تلك الأباطيل سوى من به لوثة في عقله وضمور في دماغه، وغبشٌ في عينيه، وانعدام في بصره وبصيرته.
ثانياً: اليمانيون -باختلاف تنوّعهم الثقافي والجهوي والمذهبي- قد تجاوزوا كُـلّ ذلك التنوّع؛ لتتحد الإرادَة اليمنية الواحدة في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم وعروبتهم، متجاوزين كُـلَّ تلك التناقضات الداخلية الفرعية، إن صح التعبير والقول، وظهروا كتلةً بشريةً واحدة في مجابهة العُدوان.
ثالثاً: بقي في صنعاءَ يقاومُ؛ مِن أجل الوطن، جميعُ الأحرار من مختلف المشارب السياسية والثقافية والمناطقية؛ لأَنَّ العاصمة هي عاصمة اليمنيين جميعاً ولم يتخلَّ الأحرار للدفاع عنها، وهرب وتوارى منها من كانوا يتصدّرون المشهد الإعلامي والثقافي والجهوي والقبلي، ويملؤون الأرض والفضاء صياحاً وضجيجاً وعويلاً، يذكّروننا بالنظام الجمهوري والديمقراطية والكرامة والرجعية والاستعمار الأجنبي.
لكنَّ شعبَنا الصامد استغرب هروبهم إلى تلك العواصم التي تُمطِرُ أرضَ اليمن بصواريخها وقنابلها المحرّمة دوليًّا، ذهبوا إلى تلك العواصم ليقبضوا ثمنَ معاناة الشعب وآلامه ومرضه وهلاكه. فكيف لهذا الشعب الأبيّ أن ينسى تلك الوجوهَ الكالحة التي تتضامن مع دول العُدوان وحكّامها، وتحجّ ليل نهار إلى فنادقهم ومنتجعاتهم وأسواقهم ومكاتبهم؟!
رابعاً: صمد الشعبُ اليمني بصبرٍ وجلادةٍ وقسوةٍ في وجه العُدوان من خلال تجشمهم للقيام برحلات العذاب البرية كي يصلوا إلى مطاري عدن وسيئون، وتحمّلوا أصنافاً من الأذى والتعب وحتى الإهانات التي تصادفهم في الطريق الوعرة الموصلة إلى تلك المناطق، خَاصَّة إذَا ما حسبنا بأنّ من تضرّر من إغلاق مطاري صنعاء والحديدة يقارب الـ 80 % من سكان الجمهورية اليمنية.
خامساً: هل يتصوّرُ إنسانٌ عاقلٌ وطبيعي في هذا الكون كله، أن يعيشَ موظّفو وعمال هذا الشعب العظيم من دون رواتب ولا معاشات لأزيد من 6 سنوات؛ بسَببِ نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى فرعنا في عدن، ومع ذلك صمد الشعب اليمني طيلة هذه الفترة صابراً محتسباً على الجوع والعوز وشظف العيش حتى بدأت تلوح في الأفق تباشير النصر اليماني بعونٍ من الله وبهمة الإنسان اليمني الصلب؟!
سادساً: تماسُكُ الجبهة الداخلية السياسية والاجتماعية والتفاف الشعب حول القيادة السياسية وتحت قيادة قائد الثورة الحبيب عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه.
سابعاً: تعزّز محور المقاومة العظيم المكوّن من: (إيران، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين واليمن) ضد المشروع الأميركي الصهيوني الغربي، وتوطَّدت أركانُ واستراتيجياتُ جبهة المقاومة العسكرية والسياسية والثقافية والمعنوية. هذا الالتحامُ العضوي بين مكوّنات جبهة المقاومة جعلت الدولَ السائرةَ في فلك المشروع الغربي تتفكَّكُ وتتراجع، برغم كُـلّ الإمْكَانات المادية التي يمتلكها وتراكمها لعقود ماضية.
الخلاصة: يُعلِّمُنا درسُ التاريخ الأقوى بأن الشعوبَ الحُرّة وتحت قيادة ثورية حُرّة، التي لديها إرث وتراث تاريخي عظيم هي من ترفُضُ الضيمَ والعبودية والاستغلال، هذه الشعوب وحدَها هي التي يكون حليفها النصر المبين بإذن الله تعالى في مقبل الأيّام.
﴿وَفَوْقَ كُـلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾.
* رئيس مجلس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني- صنعاء