الملاحظات:
في وقت دقيق وحساس تجشم السيد العلم (يحفظه الله)، عناء إلقاء اثني عشر درساً في عهد الإمام علي لمالك الأشتر، عندما ولاه مصر، يرمي كعادته لمعالجة قصور في رموز القيادة السياسية والإدارية، من خلال استلهام تصرف القدوة لمعالجات في ظروف مماثلة.
آملاً أن تليها آليات تنفيذية -ووجه بذلك- للاستفادة من توصيات عهد الإمام علي المذكور، لنفس الحيثيات والظروف.
لكن المعنيين لم ينظروا في حيثيات العهد وظروفه آنذاك، ليتفهموا وجه الشبه الذي استعاره السيد العلم للاستفادة!
وبدورهم -كعادتهم- سلقونا نحن القاعدة الجهادية بألسنةٍ حداد، أنا المقصرون دونهم، واستعانوا بمستشاريهم غير المتخصصين -من الدائرة المعتادة- ليقترفوا لهم ما سُميت "مدونة السلوك الوظيفي"، وأساطين الخدمة المدنية المخضرمون منسيون في النظام السابق والحالي، والمتخصصون المجاهدون مقصيون خوفاً أو طمعاً، أو لأقوالهم -إذ سبقت بعدة أشكال- أنتم المعنيون لا سواكم في دروس السيد العلم هذه.
لتصنع "مدونة السلوك" هذه، ضجيجاً وسخطاً أجهدنا دفعاً ودفاعاً وتبريراً.. ثم ها نحن ماذا جنيناه منها أو حققته غير اللغط!
اللائحة التنفيذية لقانون المخالفات رقم 17 لسنة 1994، المادة 3: "لا مخالفة إلا بقانون أو بناء عليه، ولا عقوبة إلا بقانون". علاوة على المادة رقم 47 من الدستور اليمني: "المسؤولية الجنائية شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو قانوني، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات، ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي أفعال بأثر رجعي لصدوره".
وكأن القصور الإداري مقتصر في دوام الموظف العادي أو إهماله وعدم تعاونه، أو عدم حضوره دروسنا الثقافية والحشد للجبهات! والقيادات السياسية والإدارية في منتهى المثالية لا تشوبهم شائبة. كما حُشيت حشواً "مدونة السلوم الوظيفي" بآيات القرآن الكريم، صاحب العهد نفسه وهو علم الأعلام، أضف دروس علم زماننا الاثني عشر، لم تحو سوى بضع آيات وحديثين، وهما الأولى بآيات القرآن الكريم من المدونة وصاحبها، إذ تأتي بلغة إدارية بحتة.
ولو تناول الموضوع خبير لرأى إعداد "ميثاق تعيين وتقييم قادة ومسؤولي القطاع العام"، من نصوص العهد ودروسه، ليعين ويقيم أداء المسؤول على ضوئه من قبل المعنيين والشعب.. وإن كانت لا تكفي فالأمر أكبر وأعمق من مجرد وثيقة مصيرها درج المكتب.
التوصيات:
- لا فائدة من المعالجات الجزئية لظواهر الفساد الإداري والمالي، ولا بد من النظر وبشكل جاد لمعالجات جذرية شاملة، وقد تناولناها في موضوع "الإصلاح السياسي والإداري الشامل" في العدد (1129) من الصحيفة.
- استفدنا فعلاً من العهد ودروسه الاثني عشر توعوياً، وليس "مدونة السلوك الوظيفي" الترجمة الصحيحة لها، فمدونات السلوك الوظيفي ملخص أدبي يعكس القوانين واللوائح ذات العلاقة، والقوانين واللوائح تلك تترجم آلية التنفيذ، ناهيك عن الحشو والضبط المختل والانسجام وتشريعات الخدمة المدنية النافذة وغيرها. الأنجع بالنظر للحيثيات والظروف إعداد "ميثاق تعيين وتقييم قادة ومسؤولي القطاع العام"، على ضوء العهد ودروسه، يُؤصل مرجعياً بمواد تشريعات الخدمة المدنية، والعسكرية، والأمنية، ويتضمن آلية تنفيذية للتعيين والتقييم، الفاعلية هنا هو التطبيق الميداني بكل جدية وصرامة.
صدقوني يا قوم.. الوقت يدهمنا، والناس في مضض، في حاجة إلى فعل يلمسون أثره ليحيي الأمل في نفوسهم، والحل الجذري هو بـ"الإصلاح السياسي والإداري الشامل". فالخلل قديم يتمثل بعدة وقائع تنظيمية وقانونية وكفاءة تشد من أزر بعضها البعض، وتثقل كاهل الدولة بتكاليف تشغيلية لا تتأتى، ومازالت العقدة في المنشار، وتتدحرج كرة الثلج فلا تُهيئ للأفضل.. وهل أكبر من قول: "الوضعُ مُزرٍ" من نذير!
وبالله التوفيق..
* نقلا عن : لا ميديا