|
صنعاء القديمة ومهمة الحفاظ عليها
بقلم/ عبدالعزيز البغدادي
نشر منذ: سنة و 6 أشهر و 14 يوماً الثلاثاء 09 مايو 2023 07:44 م
في ليلة الثلاثاء 20 رمضان 1444هجرية الموافق 11/ 4/ 2023م حضرتُ أمسية رمضانية تحرص جمعية المنشدين اليمنيين على إقامتها كل عام ، وفي هذه الأمسية وفي جو من البهجة والتفاؤل المنتَزَعَين من بين براثن كل ما يدعو للتشاؤم كرمت الجمعية كوكبة من خيرة الشخصيات اليمنية، وما الحياة سوى تموجات للتفاؤل والتشاؤم و(التساؤل) وكل حالة لها أسبابها ، لذا لا أعتقد أن من المناسب أن ننتظر من غيرنا التعبير عن حال غير الحال الذي يعيشه في واقعه أو في ذهنه سواءً ما اتصل بشأنه الخاص أم بالشأن العام، ما نحتاجه باستمرار ألّا نستسلم لأي تحد وأن نسعى لتحويله إلى فرصة لإعادة البناء ومواصلة الحياة ، في تلك الأمسية أشار الأخ الصديق العزيز الأستاذ مطهر تقي في كلمته إلى موضوع صنعاء القديمة وما يطرح بشأن خطة لهدم دكاكين في سوق الحلقة وما حوله بحجة إنشاء ساحة للاحتفاء السنوي بجمعة رجب التي يرى بعض المؤرخين أنها مناسبة دخول اليمنيين الإسلام ، والحقيقة أن هذا التصرف لو تم فهر غير موفق لعدة أسباب منها:
أولاً: أن ذلك سيكون تعدياً على صنعاء القديمة الجوهرة التي عشقها ويعشقها كل زوارها وقد سجلت ضمن المدن التاريخية العالمية، ومنظمة اليونسكو إلى جانب الحكومة اليمنية بموجب هذا التسجيل معنيتان بالمحافظة عليها وعلى شبام حضرموت وزبيد وجزيرة سقطرى وغيرها من المدن التاريخية وكل ما له علاقة بالتراث، يشاركهما الجهات المعنية بحماية البيئة في المحميات الطبيعية.
والتوقيع على أي اتفاقية أو معاهدة من قبل الحكومات السابقة حجة على أي سلطة لاحقة تمنعها من المساس بها بأي صورة من الصور وتحت أي مبرر لأن للمعاهدات والمواثيق الدولية الموقع عليها حرمة وشرعية أقوى من الدساتير، وأعتقد أن القيادة الثورية والسياسية تدرك مسؤوليتها القانونية والوطنية ولن تسمح بأي شكل من أشكال العبث بالتراث والآثار والتغيير في معالم المدن القديمة تحت أي عنوان يفتح المجال للتلاعب بها وفق الأجندة الخاصة للأنظمة المتعاقبة واختلاق الأعذار والروايات المختلفة حولها ، وتسجيل المدن التاريخية ضمن التراث العالمي يعني اعتراف الدولة اليمنية بأن التراث المسجل أصبح ضمن الملكية الإنسانية وأي تغيير فيه يعتبر تعديا على حق عالمي وإنساني.
السبب الثاني: أن شوارع صنعاء التاريخية الضيقة لا تسمح بإقامة فعاليات كبيرة وسطها لما تسببه من اختناق إضافي يخرج المدينة عن وظيفتها التاريخية ويغير معالمها المسجلة.
أما السبب الثالث: فإن مثل هذه المناسبات يمكن إقامتها في ميدان السبعين أو اي ساحة في منطقة واسعة ويفترض أن تتطور الحماية بحيث تُفَعَّل وتحدَّث المواصلات القديمة.
ومن الأفضل أن تترك الاحتفالات الدينية للمبادرات الشعبية لأسباب يطول شرحها.
وأما وضع صنعاء القديمة عموماً ومظاهر الإهمال والتعدي الذي تتعرض له فإني أُثَنِّي على ما كتبه الأخ الأستاذ والشاعر محمد عبدالوهاب الشيباني وانطباعاته الحزينة عن صنعاء القديمة معشوقة كل الشعراء والكتاب وأدعو إلى قراءته.
وخصوصية الحديث عن صنعاء كعاصمة تمتد لتشمل كل مدينة يمنية وكل قرية وبيت قديم في اليمن المتحف الحي الضارب جذوره في عمق التاريخ لتأكيد الصلة بين الموت والحياة بين الذاكرة والتراث وبين نبض الانسان في عمق ذاكرة المثقف والسياسي والإنسان البسيط بكل المعاني والدلالات ، والحفاظ على الذاكرة التراثية لأي بلد له ما لمكان اليمن ومكانته في التاريخ بات هماً عالمياً ضمن البحث عن نظام عالمي جديد عميق الإحساس بالإنسانية المتكاملة التي تقوي روابط الحب الخلاق والتفاهم العصي على كل أسباب الفرقة والأمراض العصبوية المتجذرة التي تقتل المصابين بها فقط وإن بدا لهم غير ذلك.
نعم.. لقد أصبحت صنعاء وكل المدن اليمنية المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي معنوياً على الأقل ملكية إنسا نية عامة ولذلك دلالة تحتم على من تشغلهم أية مفاهيم ضيقة أو مشاريع صغيرة لا تستوعب الانتماء العالمي مراجعة أنفسهم ليعلموا بأن الوجدان الإنساني لم يعد قابلاً للاستحواذ ولا للانعزال ولا لأي شكل من أشكال التطرف التي تقتل صاحبها قبل غيره ، وتصرفات كل متطرف تحسب عليه ومقياس التمييز علمي وعقلي ووجداني ، وما من شك أن وزير الثقافة الدكتور عبدالله الكبسي يدرك مسؤوليته القانونية والأخلاقية والتاريخية وأهمية الدور الذي عليه القيام به لحماية المدينة القديمة بكل تفاصيل الحماية الواجبة وإيقاف أي عدوان عليها وهو على علم بما تفتضيه هذه التفاصيل باعتبار صنعاء القديمة بما هي عليه لوحة متكاملة غير قابلة لأي مساس تحت أي مبرر وهذا ما ينطبق على كل التراث اليمني والإنساني وفتح المجال للتلاعب بملامح المدينة يعطي كل سلطة سياسية وهم الاعتقاد أن من حقها ممارسة ما تشاء من العبث وبذلك تصبح الذاكرة نهباً لكل من يصل إلى السلطة.
صنعاء تسكنني وأسكنها * والحب والعشاق والشعراءُ |
|
|