لا شك في أن منظومة العدوان والحصار ليس في حسبانها وقف العدوان ورفع الحصار وصرف المرتبات وإنهاء الاحتلال، ولا هي أيضاً في وارد المضي في خطوات جادة نحو الحلول لا في المسائل الإنسانية والمعيشية ولا العسكرية والسياسية ولا غيرها، سواء وضَعنا الملف الاقتصادي والإنساني أولوية عاجلة أو قبِلنا بأن يكون السياسي والعسكري قبل الإنساني، وسواء قدمنا التنازلات التي تريدها، أم تمسَّكنا بحقوق الشعب اليمني، هي في كل الأحوال والظروف لا تريد للسلام أن يتحقق للشعب اليمني، وتريد فقط أن تستمر معاناة الشعب اليمني وتواصل حربها الإجرامية، وأن يبقى الحصار على مطار صنعاء وعلى الموانئ، ولو حدثت أي تغيرات في المناخات الدولية لأعادت تصفير الأمور وأوقفت الرحلة الأسبوعية التي تأتي وتذهب من وإلى مطار صنعاء، وأعادت إغلاق موانئ الحديدة بشكل كامل.
منذ إعلان الهدنة الأممية قبل أكثر من عام وإلى اليوم، تواصل منظومة العدوان والحصار اللعب على حبال الأكاذيب والادعاءات من جهة، وتحيك المؤامرات والمخططات الإجرامية من جهة أخرى، وتركز بكافة مستوياتها على كيفية الإمساك بالعصا من الوسط، بما يحافظ على بقاء حالة خفض التصعيد، وبقاء حالة العدوان والحصار والاحتلال والمعاناة الإنسانية قائمة، بل وتدفع إلى مفاقمة المعاناة ومضاعفتها.
الفترة الممتدة من يوم الثاني من إبريل 2022م، تاريخ إعلان الهدنة الأممية التي انتهت قبل أشهر عديدة، أثبتت بالمؤكد أن منظومة العدوان والحصار لن تمضي في خطوات حقيقية وجادة نحو الحلول، وبحساب البنود التي تضمنتها الهدنة الأممية فإن منظومة العدوان لم تنفذ إلَّا جزءاً يسيراً منها، فما زال خط صنعاء- القاهرة مغلقاً، وما زال ميناء الحديدة محاطاً بالبارجات وسفن الحصار فقط توقفت عن بعض أعمال القرصنة والخطف الذي كانت تمارسه قبل الهدنة، أما بعد انتهاء الهدنة الأممية فكان المشهد أوضح أن المنظومة نفسها تمارس الخداع والتلاعب على الوقت، وتواصل عدوانها وحربها على اليمن بأوجه عديدة، وأن محافظتها على خفض التصعيد ليس إلا لخشيتها من انعكاسات الضربات العسكرية اليمنية والتداعيات التي ستحدثها في ظل استمرار الحرب الغربية الأمريكية الروسية في أوكرانيا.
أما صرف المرتبات فهي ترفضها بالمطلق وبالصريح، وهو ما عبّرت به الإدارة الأمريكية مراراً على ألسنة ليندر كينغ ومسؤولين أمريكيين آخرين بشكل صريح وواضح ومعلن.
في المجمل العام، فإن منظومة العدوان مجتمعة ليست في وارد المضي في نصف خطوة نحو السلام والحلول، وهي لا تسعى إلى إنهاء العدوان وتخفيف معاناة الشعب اليمني ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال، بل إلى تسعى إلى خلاف ذلك، وفي المجمل أيضا فإن الإدارة الأمريكية تضغط بكل أدواتها السياسية والعسكرية والأمنية على إبقاء العدوان والحصار على اليمن مستمرين، فيما تعيد موضعة قواتها في المناطق المحتلة، وحالياً تنشط سفيرها الذي يقيم حالياً ما بين حضرموت والمهرة ومارب، ويدور يومياً ما بينها يلتقي المرتزقة هناك ويوجههم لكأنه في ولاية من الولايات الأمريكية!
أما في المجمل الخاص بمملكة العدوان السعودية التي أرسلت وفداً سعودياً إلى صنعاء نهاية شهر رمضان، فهي لا تبحث إلا عن تسويق نفسها للعالم بأنها وسيط محايد في حرب مروِّعة شنتها السعودية وموَّلتها وسلّحتها وأدارتها بالنيابة عن أمريكا وبريطانيا والغرب الفاجر، وكان تركيز الوفد السعودي لدى وجوده في صنعاء تقديم عروض مقابل القبول به وسيطاً، وكان الموقف واضحاً بل وساخراً من المحاولة الغبية، في المقابل كان تركيز الآلة الدعائية الغربية والسعودية أيضاً على أن السعودية تتوسط في اليمن!
وفي التفاصيل وانسجاماً مع حالة الوهم التي تعيشها مملكة العدوان السعودية التي يتراءى لها بأنها تتوسط، بدأت تتخذ استراتيجية الإحالة في القضايا والملفات إلى المرتزقة، فمثلاً في مسألة مطار صنعاء تطرح بأنها قد سمحت بالرحلات المطلوبة وتقول لصنعاء «اتفقوا مع الحكومة في عدن» أي مع المرتزقة، وفي بقية الملفات تعمل بنفس الاستراتيجية!
وبغضّ النظر عن الإجابات الحاسمة التي أتت من صنعاء تجاه المحاولات السعودية فإن مملكة العدوان السعودية لا تسعى إلَّا إلى تبييض صفحاتها السوداء الملطخة بالدم والجرائم والحرب العدوانية وبعشرات الآلاف من الشهداء وبالدمار والمجازر التي ارتكبتها في أعوام العدوان، والمسألة لا تقبل النقاش.
والمهزلة أن الطبخة السعودية ليست طبخة سوداء فحسب، بل مُشبعة بالغباء والزهايمر، لأنه من المستحيل أن يهضمها أي كائن حي في الدنيا شاهد مملكة العدوان السعودية تقصف وتدمر وتحاصر وترتكب المذابح والمجازر وتسحق اليمنيين بالجملة والمفرّق طيلة ثمانية أعوام ونيف، ولن تصبح وسيطاً حتى يلج الجمل في سَمّ الخياط.
مناورات منظومة العدوان اليوم على حبال النفاق لكسب وقت إضافي كل طرف في المنظومة يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة به، وكل أطرافها تسعى إلى استمرار العدوان والحصار، هو لعب مكشوف وتداعياته كبيرة في كل الاتجاهات، لا تعتقد مملكة العدوان السعودية أن أوهامها في تقمُّص الوسيط ستنجيها من ضربات عسكرية مميتة ومدمرة، ستحدث قريباً جداً إذا استمرت في تورمات الوهم والخطيئة، وما يجب أن تدركه الإدارة الأمريكية أن محاولاتها في خلق وقائع جديدة لإطالة احتلالها لحضرموت والمهرة وغيرهما، لن تفلح، وبالمجمل لن تتمكن منظومة العدوان من إطالة صلاحيات أدواتها من المرتزقة والعملاء حتى لو استدعت أعلام وبيارق الدنيا كلها، وكما تحررت مناطق ومحافظات يمنية عدة فإن حضرموت والمهرة وسقطرى وعدن ولحج وكل شبر يرزح تحت الاحتلال الأمريكي أو السعودي أو البريطاني أو الإماراتي أو تحت وطأة المرتزقة والعملاء أو أي قوة غازية على موعد قريب من تحريره، هذا قرار وخيار الشعب اليمني وقيادته الحرة والكريمة، لا رجعة عن ذلك وعلى منظومة العدوان وأدواتها التخلي عن الأوهام المرسومة في أروقة الإدارة الأمريكية أو خارجها، ففي النتيجة لن تكون الثكنات الأمريكية وغيرها إلَّا أهدافاً مشروعة، ولن تكون ترسانة المرتزقة والعملاء على اختلاف بياداتهم إلَّا وقوداً لحربنا المشروعة.
اليوم وصلت الأمور إلى لحظات حاسمة، وما يجب هو الاستجابة إلى مطالب الشعب اليمني، فالهروب والأكاذيب لن تجدي، وتحذيرات قائد الثورة الأخيرة، وتحذيرات الرئيس واضحة، على السعودي في المقام الأول أن يكف عن الرهانات الخاسرة.. فلا سلام سيتحقق له ولا طموحات ومشاريع ستتحقق إلا بسلام عادل ومشرف للشعب اليمني.. والله الناصر لعباده المؤمنين.