منذ ثمانية أعوام وحزب الإصلاح يستخدم قضية القيادي الإخواني والضابط البوليسي محمد قحطان للمزايدة والاستغلال السياسي أمام المنظمات الإنسانية والدولية، حتى جاء تصريح رئيس لجنة شؤون الأسرى، عبدالقادر المرتضى الأسبوع المنصرم، ليكشف رفض “مرتزقة” مأرب عرضا تقدمت به صنعاء بشأن الإفصاح عن مصير محمد قحطان، وذلك من خلال إبلاغ الأمم المتحدة للجنة شؤون الأسرى أن طرف فصيل التحالف في مأرب رفض العرض المقدم من قبل صنعاء بالإفصاح عن مصير قحطان مقابل أن يفصحوا هم عن مجموعة من الأسرى والمعتقلين في سجونهم...
هذا الرفض يؤكد عدم جدية حزب الإصلاح في التوصل إلى إنهاء لملف قحطان، وكشف تسريب صوتي لمكالمة هاتفية انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بين رجل الأعمال الإخواني حميد الأحمر والمبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بن عمر، يتحدث فيه الأحمر عن معاناتهم من قحطان وعدم ثقتهم به واصفاً إياه بغير المنضبط والمراوغ، وكانت القيادية الإخوانية توكل كرمان اتهمت أولاد عبدالله بن حسين الأحمر بالوقوف وراء اعتقال قحطان وإخفائه قسرياً.
كل هذا التناقض والغموض في قضية قحطان يدفع للبحث والتقصي في تاريخ الرجل وسجله الأمني، وهنا يتضح جلياً دور قحطان في جرائم الاختطاف والتعذيب التي مارستها ما كانت تسمى “الجبهة الإسلامية” في العام 1982 خلال حروب المناطق الوسطى مع التيارات اليسارية، حيث برز في تلك الفترة دور محمد قحطان في حملات الاعتقالات والإخفاء القسري لرواد الحركة اليسارية في المناطق الوسطى، ولاتزال حتى اللحظة أسرة المخفي قسراً أمين سعيد غلاب “البتول” تطالب بالكشف عن مصيره بعد أن قام الضابط قحطان باختطافه من وسط أسرته، بالإضافة إلى رفاقه الأربعة “محمد صالح أحمد جسار ومحمد عبدالله غالب وأحمد قائد حميد القوصرة وسيف حسن يحيى”، قبل 41 عاما، بعد أن تعهد قحطان لأبناء القرية أنه سيأخذهم للتحقيق معهم ويعيدهم بنفسه، ولم يعرف مصيرهم حتى اليوم، هذا نموذج واحد من عشرات القصص المماثلة لاختطافات وسحل وتصفيات تولى إدارتها قحطان شخصياً ضد من كانت تسميهم جبهة الإخوان “الملحدين والشيوعيين المخربين”.
قد لا يتشفى اليوم أهالي ضحايا جرائم محمد قحطان وجماعته الإرهابية، ولكنهم يشعرون بأن ثمة عدالة إلهية أنصفتهم في الدنيا ومازالوا ينتظرون القصاص الإلهي على ما لحقهم من أذى عمره يفوق الأربعين عاماً، فأسرة قحطان التي تشعر اليوم بقهر ثمانية أعوام من المصير المجهول، عليها أن تستشعر مظلومية أهالي المختطفين الذين مات أغلبهم دون أن يعرفوا مصير ذويهم.
وطالما أن الإخوان يزعمون دائما معرفتهم بالله ويتحدثون باسمه فالأحرى بمن يكتبون ويطلقون الحملات للمطالبة بالكشف عن مصير قحطان أن يفكروا أن الله سبحانه وتعالى قد سن في هذه الحياة سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ومن تلك السنن العظيمة أن “الجزاء من جِنسِ العمل”، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إنها سنة إلهية كبرى، وقاعدة الجزاء الإلهي في هذه الحياة تنطلق من أن البر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، وكما تجازي تجازى.
لمعرفة الحكمة الإلهية في الحياة الدنيا ليس بالضرورة الذهاب إلى قصص الأولين، وماذا فعل الله مع قارون الذي خسف به وبكنوزه الأرض لأنه طغى وبغى، ولا ما أصابَ الصحابةَ يوم أُحُد، حين قالوا “أَنَّى هَذَا” فجاء الجواب الإلهي قاطعاً “قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ”، فالحكمة الإلهية تجسدت في واقعنا بالعقاب الذي ناله “عفاش” على جرائمه، والحكمة الماثلة للعيان بتمكين الله لثلة من المجاهدين وانتصارهم على إمكانيات لا مجال لحصرها عسكرياً، وإذا لم يكن انتصار اليمن في وجه دول التحالف معجزة إلهية وتأييدا ربانيا فما هي المعجزات في هذا الزمن؟
إن كان قحطان لايزال على قيد الحياة فهي منحة إلهية ليتعظ ويعتبر، ويسارع إلى طلب المغفرة من الحكم العدل، والمسامحة من ذوي الضحايا الذين تعرضوا للتنكيل على يديه ويكشف عن مصيرهم أو حتى عن أماكن دفنهم، وإن كان قد لاقى ربه فتلك حكمة الله، وعلى ذويه التسليم بحكم الله وعدالته، مهما كانت الأسباب والطرق التي أدت إلى ذلك.
* نقلا عن : لا ميديا