حيثُ الخرابُ والدمارُ والقتلُ والحصارُ ثمة أرواحٌ ترقدُ خلف الجدران، تنتظرُ بشوق ذلك اليوم الذي تغادر فيه هذه الأرض إلى الأرض البعيدة علّها تجدُ فيها ما يسكِّنُ ذلك الألمَ المريرَ الذي سيطر على تلك الأجساد النحيلة والمنهكة، يراودها الأمل ليلاً ونهاراً لربما جاء اليوم الذي يُقال فيه حان السفر، لكنها ما زالت في انتظار لِمَا لم يأتِ بعدُ، فيزداد الألم ويتضاعف الحزن، ويموتُ الكثير من المرضى وهم على كشف الانتظار لا يبرحونه.
آهاتٌ وأنّات تتصاعد من شدة الوجع حيناً، ومن شدة الحزن حيناً آخر، حزنٌ تجاوزهم إلى من سواهم من الأهل والأقارب الذين يعتصرون ألماً؛ لمدى ما يعانيه مرضاهم من وطأة المرض؛ فلا يملكون حيال هذا الوضع المأساوي سوى الدموع والدعاءَ لهم بالشفاء.
وفي المقابل، نرى أنّ مَن قتل ودمّـر وشرد وحاصَر وكان سبباً في مضاعفة آلامهم، صَمَّ أُذُنَيه عن سماع أناتهم، وتعامى عن النظر في معاناتهم، وأنّى لمن هو في توحُّشهم وإجرامهم أن يسمع أَو يرى!
تجاهلت كُـلُّ الأمم تلك المعاناة، كما تجاهلت تلك الجرائمَ الوحشيةَ والعدوان الغاشم، منظمات كثيرة، بمسميات متعددة ومهام متنوعة، تبدو من أسمائها الإنسانية، لكنها في الواقع أبعدُ ما تكون عن الإنسانية؛ فلم تحَرّك فيها معاناة أكثرَ من ثمانية أعوام ساكناً، بل منها من يستثمر تلك المعاناة ويتاجرُ بذلك الألم الذي أعيا تلك الأجساد، ومنها من يُحيكُ المؤامرات وينفذ المخطّطات؛ لتدميرِ القيم والمبادئ الدينية والإنسان والإنسانية.
العالَمُ الصامتُ آل على نفسه إلا أن يستمر في صمته وجموده؛ ليكون شريكاً في مضاعفة الألم والمعاناة وموت الآلاف من أبناء هذا الشعب، ليس عن طريق آلة الحرب والدمار فحسب، بل عن طريق الحصار الذي يقتل المرضى بمنعهم من حقهم في السفر للعلاج في الخارج؛ ليصبحوا شركاءَ في الجريمة.
حواراتٌ، تفاهماتٌ، اتّفاقات ووعود بتنفيذ تلك الاتّفاقات، لكن القرار ليس بيد من بدأ هذا العدوان وتزعَّمه، بل بيد المشغِّل الرئيس له: أمريكا والغرب، الذي يقتل ويدمّـر الشعوب ويصادر الحقوق والحريات.
ومع ما حدث ويحدث من انتهاكات لحقوق هذا الشعب، إلا أنّه يظل صامداً ومقاوماً رغم وجود المعاناة والألم، حتى وإن كان على سرير الموت؛ لإيمانه الكبير أن لا مساومة على العزة والكرامة والحرية، وإن بُذلت في سبيلها الأرواحُ والمُهَج؛ لذا سيكونُ النصرُ حليفَه –بإذن الله- أطالت مدةُ عدوانهم أم قَصُرَت.
* نقلا عن : المسيرة