تعاملت في حياتي مع الكثير من أصناف البشر، لكن لم أجد من يستحق النبذ والازدراء، أكثر مما يستحقه من يتظاهر بالعلم والدين وهو بعيد كل البعد عنه،
فإذا كنا نرى الكذب والتكبر ظاهرة سلبية حين يمارسها العامي أو العلماني، فإن الأسوأ والأخطر من ذلك حين يتلبس الكاذب والمتكبر والمتغطرس ثياب العلم والدين والتقوى.
وإذا كنت ممن ينكر التسلق وكثيرا ما هاجمت المتسلقين في ساحات السياسة، فالأولى والأجدر بي مهاجمة المتسلقين على أسوار العلم والتدين.
إن التلبس والتمظهر الكاذب حالة احتيال قديمة وليست جديدة، ولم تقتصر يوما على دين معين ولا شريحة معينة، بل هي حالة يمارسها ضعاف التربية والنفوس في كل الأماكن.
لكن حين نجدها في ساحة العمل الديني فتلك الكارثة، وخصوصا ممن يدعي أنه يحمل منهج الإسلام ويرشد الناس إليه، والذي يجب عليه أن يحمله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته، ويحوِّله إلى واقع عملي ملموس، بالصدق والتسامح وسمو الأخلاق، لا أن يحدث الناس عنه بفمه، ليبصقه ويدوسه بواقعه وأخلاقه الجاهلية المنحطة.
إنها المصيبة، عندما يصدق الكاذب نفسه فيعيش حالة انفصام يتنقل فيها بكل مرونة بين شخصيتيه المتناقضتين يصلي إلى جوارك صلاة الظهر ثم يلعنك ويكذب عليك قبل صلاة العصر، ويطرد طالبا ويحلف يمينا كاذبة قبل صلاة المغرب، ويستهزئ بزميل له بعد صلاة المغرب، ثم يعتلي المنبر بعد العشاء ليلقي موعظة عن الصدق والتواضع وحسن الخلق...
فأي مصيبة على أي جماعة أعظم من هذه..!
أي مصيبة أعظم من تموضع المتسلقين في أماكن حساسة!
إني لا ألوم المتسلق في تسلقه، ولا قليل الأخلاق في قلة أخلاقه، فهذا ديدنه وطبعه، بل أعاتب من ركنوا إليه وصدقوه، ومكنوه، وأعاتب أيضاً من يكتشفون مثل هذه الحالات، ولا يحذرون منها.
وأقولها مرات ومرات:
احذروا المتسلق العادي مرة!
واحذروا المتسلق باسم الدين ألف مرة!
لأنه يجيد التمثيل ولسانه مذخر بالكلام المنمق المعسول وجاهز لصنع لوحة قد تبدو جميلة، فيصدقه الضحية ويركن الأجواد إليه ويمكنونه من الأعمال الهامة وهم لم يكتشفوا بعد أن لوحته تلك ليست بأكثر من سراب تخفي خلفها خواء مرعبا، ونفسا صحراوية مجدبة تعاني قلة الدين والأخلاق..
ولا حول ولا قوة إلا بالله...
* نقلا عن : لا ميديا