تمر علينا هذا العام ذكرى عاشوراء وأمتنا الإسلامية تعيش واقعاً مريراً من الذل والامتهان والاستهانة بدينها وبمقدساتها، وصمت كان هو السبب الأكبر في أن يخرج رؤساء بعض الدول المحسوبة «إسلامية» معلنين التطبيع مع اليهود، وسبباً آخر في أن يتجرأ أعداء الأمة على تكرار حادثة إحراق نسخ من القرآن الكريم في السويد والدنمارك، في خذلان كبير للإسلام ومقدساته.
ونحن نحيي ذكرى ثورة الحسين، إذا ما أتينا لنقرأ واقع للأمة سنرى أنه ليس إلا تبعاً لما حدث في الطف من خذلان للإمام الحسين، وكم التشابه بين ما تعيشه الأمة اليوم من ذل وخنوع وما عاشته في زمن الحسين، حيث أن الأمة في تلك الفترة عاشت تحت وطأة الظلم وتسلط الحاقدين ضمن الإمبراطورية التي أسسها طلقاء بني أمية، وبتسهيل من خالفوا حديث رسول الله في الغدير أصبحت رقاب الأمة ودينها تحت أيديهم، رغم تحذيره لهم منهم بأنهم سيتخذون دين الله دغلاً وعباده خولاً وماله دولاً، فذلت لهم الأمة بعد أن حرّموا الخروج على الحاكم الظالم، وما هذا إلا جزء من عبثهم بالدين وتحريفهم لأصوله وقيمه التي ما جاءت إلا لانتشال الإنسانية من ظلم الطواغيت وحفظ كرامتهم، إلا أنها وعلى يد معاوية تحولت لأحاديث جوفاء تتماشى مع نزعاته الانتقامية من الدين المحمدي الذي أردى أجداده من كفرة قريش في بدر والأحزاب.
كانت هذه الأسباب مجتمعة هي ما دفع الإمام الحسين ليخرج ثائراً لدين أمته، خاصة بعد أن وصل أمرها إلى يزيد، الذي ورث حقده على الإسلام وأهله من أبيه وأجداده، فرفض مبايعته رغم محاولتهم تهوين أمر المبايعة بأنها ليست إلا كلمة يقولها ويذهب ليكسب أجر إطعام المساكين وتعليم الناس أمور دينهم، فرفض الحسين أن يعطيهم بيده إعطاء الذليل، فمثله لا يبايع مثل يزيد، وهو حفيد من أعز الله بهم الإسلام وارتقوا بالأمة وتركوها على المحجة البيضاء.
إن خروج الإمام الحسين لم يكن لأجل منصب، إنما غيرة وحمية على الدين الذي عاد غريباً كبداية بزوغه، ومن باب المسؤولية الملقاة على عاتق آل البيت وعلمهم بحرمة الظلم وتولي أهله، وهو بذلك أسس منهجية للثورة على الظالمين كان أول شعاراتها «هيهات منا الذلة»، واعتبر الحياة تحت ظلهم برماً، والموت في سبيل الله شهادة.
ثورة قل فيها الناصر بعد ما قام به يزيد وأعوانه من ترغيب بالذهب وترهيب بجيش من الأفاعي والثعابين لكل من يناصر الحسين. لكن الحسين وبسبعين رجلاً دخل كربلائيته ليرفعوا دين الله كما رفعت رؤوسهم على أسنة السيوف في أقسى مشهد دونه التاريخ، بعد أن حاول أعداء الأمة محو ذكرهم وإماتة وحيهم، إلا أنه أصبح خالداً مخلداً ونهجاً لكل مظلوم في كل زمان ومكان.
صحيح أن الحزن يلوي أفئدتنا على مصاب الإمام الحسين، وكم نبكي مرارة الفقد التي كابدها قلب زينب الحوراء وهي تقتاد مكبلة مع البقية الباقية من آل محمد سبايا من كربلاء إلى دمشق يتقدمهم رأس الحسين فلذة كبدها ورؤوس أبنائه وأصحابه؛ إلا أن الحزن لن يقعدنا لنبكي ونترك مواصلة ثورة الحسين، إنما نزداد تمسكاً بنهجه لنشعلها ثورات على يزيديي عصرنا ومردة ديننا.
إن تضحية الطف في كربلاء قد أينعت في اليمن بعد أن رفض اليمنيون الذل وانتهجوا نهج الحسين في مواجهة الظلم وحصدوا نصراً وعزة. ومنا العهد ومهما سعى العدو سعيه وناصبنا جهده وكاد كيده بأننا على درب الحسين ونهجه ماضون في نصرة فلسطين وقضايا الأمة ومقدساتها.
* نقلا عن : لا ميديا