في ذكرى استشهاد الإمَام زيد -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثمة دروس وَعِبَر وجب علينا أن نستلهمها من ثورته المباركة؛ باعتبَارها مدرسة بذاتها، ناهيك عن ما تشكله من امتداد لحركة الثورة الإسلامية في قيمها وأخلاقها، وَباعتبارها حدثاً تاريخيًّا مفصليًّا لا زالت ارتداداته تتوارثها الأُمَّــة جيلاً بعد جيل.
وكما خرج مقاوِمًا في عهده، فَــإنَّ الإمَامَ زيداً وَثورتَه في الواقع الفكري ظلت تقاوم كُـلّ أنواع التجريف المستقصد وَتفرض حضورها في كُـلّ القرون، بذات القدر الذي فرضته في واقعها المرحلي والزمني، رغم فوارق العدة والعدد، وهو ديدن الحق في صراعه مع الباطل في كُـلّ زمان ومكان.
وَمن عظمة هذه الثورة وَقائدها، نحيى هذه الذكرى وأحقُّ بها أن تُحيا على أعلى مستوى، فالأمم تخلد سير عظمائها، ليس عرفانًا وَإيفاء لما حقّقوه لها وأسهموا فيه وحسب، وإنما كدلالة على استمرار مسيرة النهضة والإصلاح لواقعها المعاش بسلاح القُدوة التي ينجذب إليها ويقتدي ويتأثر بها الجميع وجدانيًّا وَثقافيًّا وَعمليًّا، من هنا تبرز أهميّة الذكرى وَأثرها في حاضر ومستقبل المجتمعات البشرية، وعلى مستوى المسؤولية وَتحمل أعبائها وتحدياتها.
ولأن الإمَام زيداً أُنْموذجٌ كاملٌ وشاملُ الرمزية في مسيرة حياته، وَحاجتنا إليه ماسة في عصرنا، فَــإنَّ من الواجب علينا كمجتمع ونخب ومكونات أن نحيي ذكراه للاستفادة من حركته التاريخية وَزيادة الوعي والهمة والفهم لمفردة المسؤولية، وَبما يحفز فينا المزيد من العزم والصبر والثبات في مواقفنا وَاتّجاهاتنا.
نُحْيي ذكرى هذه الثورة الزيدية المباركة بكل هذا الكم من القناعات، ليس تخليدًا للماضي وَحسب، ولا مُجَـرّد مراسم سنوية تعودنا عليها، بل نحييها وَنحن نعيشُ روحَ الثورة وَنفسَ معطياتها، وَفيها نستذكر الظروف والدوافع التي انطلق منها هذا الإمَـامُ وَالعالِمُ وَالثائرُ الرباني، وَكيف كان حسينَ عصره بالمسير وَالمصير، وقد منعه دينُ الله عن الصمت فاختار السيفَ على أن يرى أُمَّـة جده غارقةً في المذلة.
وفيما كان زيدٌ في عواطفنا قائداً نستجدي الزمان أن يجود بمثله، فَــإنَّ وقوفنا اليوم في ذكراه مفعم بالطمأنينة، فزيد حاضر فينا ملهما لنا، وَمن خلال قائد ثورتنا المباركة نستشرف إكمال الثورة وَنترقب النصر وَالخلاص.
سلامٌ على مَن ألهمنا الطريقَ، سلامٌ على حليف القرآن وزيد الإمَـام الثائر الشهيد.. وَسلامٌ على أعلام الثورة الحسينية إلى يوم يُبعثون.