اليمنيون على خطى الإمام زيد.. والله لا يدعنا كتاب الله أن نسكت في مواجهة العدوان والحصار
يرى اليمنيون ثورة الإمام زيد امتدادا لثورة جده الإمام الحسين عليهم السلام على كافة النواحي، ولا يجدون حرجا في الإعلان عن ذلك في مسيراتهم الممتدة في عموم محافظات البلد الحرة، مع التأكيد على سعي الإمام لإصلاح واقع الأمة بمواجهة الطغيان الأموي الذي يعد محطة سوداء مظلمة في تاريخ الأمة.
وإلى ذلك يؤكدون على أهمية التحلي بالوعي والبصيرة تجاه الأحداث والمستجدات التي تفرضها التطورات في ظل تربص الأعداء بالأمة ومحاولتهم تركيعها وتضليلها، مع تجديد الثبات على مبدأ التصدي للعدوان ومحاربة أطماعه المتمثلة بنهب مقدرات وإيرادات الشعب اليمني واحتلال الأرض، وكذا الصمود في وجه الحصار.
زيد الثائر
يصادف الـ 25 من محرم ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام، وهي مناسبة، رغم مأساتها، إلا أن اليمنيين يجدونها فرصة لاستذكار تاريخ حافل بالشجاعة والاستبسال والثورة من منطلق البصيرة التي نادى بها الإمام زيد كشعار يلخّص مشروع ثورته المستمدة من هدي الله في وجه الطغيان الأموي، وما نتج عنه من ظلم وفساد.
وبالتزامن مع الذكرى يقيم اليمنيون في كافة المناطق فعاليات هي أشبه بالندوات العلمية والتوعوية لسرد بطولة وعظمة الإمام والحديث عن مشروعه الثوري، باعتباره مؤسس نظرية الخروج والثورة على الحاكم الظالم في تاريخ الإسلام، وفي هذا الشأن كانت مختلف المناطق والمؤسسات قد أقامت فعاليات ثقافية على مدى أسبوعين وتتواصل حتى نهاية محرم الجاري.
حليف القرآن
لكي نفهم دوافع ثورة الإمام زيدٍ على حكم بني أمية؛ ينبغي أن ندرك بداية أنّه وُلد في المدينة المنوّرة التي أجبر الأمويون أهلها ورموزها من الصحابة والتابعين بادئ أمرهم على البيعة ليزيد بن معاوية، إذْ «جعله أبوه وليّ عهده وأكره الناس على ذلك»؛ طبقا لعبارة السيوطي في مجلداته ‘تاريخ الخلفاء‘.
وُلد زيد بن عليّ سنة 75 هـ ونشأ في بيت إمامة وعلم؛ فأبوه هو عليّ – المعروف بزين العابدين بن الإمام الثائر الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، حيث ساعدته هذه النشأة المستنيرة على التزود من علم والده؛ فقد نهل من علوم أهل البيت حتى صار أعلمهم – كما يقول أخوه الإمام محمد الباقر عليهما السلام.
بعد وفاة والده استقى من علم أخيه الإمام الباقر وعكف على القرآن يتدبره ثلاث عشرة سنة حتى سمي «حليف القرآن»، وقد كان لظلم بني أمية أثر في حياته، فقد عاصر جبروتهم وطغاتهم ومجرميهم وانعكس ذلك بشكل سلبي على حال أمة جده رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله)؛ وهو ما أشعل نار الثورة في صدره ودفعه للخروج على هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي.
بصيرة وجهاد
يقول قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي: إن الإمام زيد عليه السلام جاء من هدي القرآن: «وقد اهتدى بهذا القرآن فكان لهذا القرآن أثره العظيم في روحيته، وفي فهمه للمسؤولية، في إحساسه بالمسؤولية، في اندفاعه للتحرك، في إشفاقه على الأمة، في إدراكه لخطورة الوضع القائم وما يمثله أولئك الطغاة والظالمون والمجرمون والمفسدون من خطورة كبيرة على الأمة، في إحساسه بمعاناة الأمة ومظلومية الأمة».
ويضيف السيد القائد: «تحرك الإمام زيد عليه السلام تحركا مسؤولا، من منطلق المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، المسؤولية التي تربى عليها واستوعبها من خلال القرآن الكريم، والتربية الإيمانية التي حظي بها»، وهو في نظره «تحرك مسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، وهو الذي يقول: (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت)، يعني لا يسمح لي كتاب الله بالسكوت، بما في القرآن من تعليمات، ما في القرآن من توجيهات، ما فيه من مبادئ، ما فيه من قيم، ما فيه من أخلاق، بما فيه من أثر عظيم في تربيته وتزكيته لا يسمح لي أن أسكت أمام واقع كهذا الواقع بكل ما فيه من ضلال بكل ما فيه من ظلم بكل ما فيه من استعباد للأمة بكل ما يفعل فيه الطغاة والجبابرة والمفسدون والمضلون، ما يدعني كتاب الله أن أسكت، لا يسمح لي بالسكوت، فتحرك تحركا مسؤولا هادفا واعيا على بصيرة من أمره وهو الذي كان يقول (البصيرة البصيرة ثم الجهاد) تحرك بناء على هذا الوعي.
نهضة مستمرة
وامتدادا لذلك النهج الزيدي الحسيني، يخرج اليمنيون في ثورتهم المستمرة رافضين الوصاية ومحطمين قيود الذل باحثين عن الاستقلال، متمسكين بالحرية ومدافعين عن الأمة دون تخلّف أو خذلان، وفيما تهتف مسيراتهم بشعارات الولاء والوفاء لأعلام الهدى من آل بيت النبي الكريم، تسجل جبهات المواجهة مع أعداء الأمة بطولات خالدة مصدرها تلك البصيرة التي أنارها الإمام زيد وهو يهتف عند تحرّكه «ما كره قومٌ قط حَرَّ السيوف إلا ذلوا»، وتمسك بها اليمنيون الذين يجعلون من وصيته – من أحب الحياة عاش ذليلاً – دستور حياة يسيرون عليه.
وقد أعلن قائد الثورة في كلمته الأخيرة بمناسبة الذكرى موقفا من واقع الأمة اليوم وما تعانيه من جور وظلم العدو الأمريكي والإسرائيلي، قائلاً: «لا يمكن أن نصمت في مواجهة الطغيان الأمريكي والإسرائيلي وأمتنا تستباح وتظلم من فلسطين إلى اليمن»، مردفاً: «لا يدعنا كتاب الله أن نسكت في مواجهة العدوان والحصار على شعبنا.. لقد حسمنا خيارنا واتخذنا قرارنا ببصيرة وعلى بصيرة نأخذها من كتاب الله ولإدراكنا بواقعنا.. سنحرر كل بلدنا ونستعيد كل المناطق التي احتلها تحالف العدوان وسنضمن لبلدنا أن يكون حراً مستقلاً لا يخضع لاحتلال أو وصاية».
تيار ثوري
تعيدنا ذكرى استشهاد الإمام زيد إلى سيرته الثورية الفريدة فنتذكر صرخاته المليئة بالعزة والكرامة، تلك الصرخة التي رسخت مفهوم خدمة الحاكم للأمة لا امتلاكه لرقاب أبنائها، كما تروج له الأفكار الشاذة، وهي الصرخة التي شرعت الخروج على الحاكم الظالم فكانت نظرية انطلق على أساسها التيار الزيدي في ثورة لا تزال مستمرة منذ استشهاد إمامها الأول.
لقد ظلت روح الإمام زيد عامرة بالثورة حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخير، فقد روي عن وصيته لنجله الإمام يحيى بن زيد عليهما السلام، حينما جاءه والسهم على جبينه يوم استشهاده، وقد جمع يحيى قميصه في يده ومسح به الدم من وجه أبيه، ثم قال له: ابشر يا بن رسول اللّه، تَرِدُ على رسول اللّه وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون. فقال الإمام: صدقت يا بني، فأي شيء تريد أن تصنع؟ قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر. قال: نعم يا بني، جاهدهم، فو اللـه إنك لعلى الحق، وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة، وقتلاهم في النار.
تلك الثورة المتقدة من شعار البصيرة ثم الجهاد لا تزال مشتعلة حتى اليوم، فقد ورثها أئمة الهدى من آل بيت النبي الكريم جيلا بعد جيل من الإمام زيد ونجله يحيى وأبناء عمه محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ومن تلاهم إلى الإمام الكاظم فالهادي يحيى بن الحسين إلى السيد الشهيد حسين بن بدر الدين الحوثي – عليهم السلام – إلى اللحظة التي نعيشها اليوم بزخم ثوري لا مثيل له.
بصيرة المواجهة
وفي خيار المواجهة مع العدوان الأمريكي والإسرائيلي ينطلق اليمنيون ببصيرة زيد عليه السلام، حاملين شعار الحق في وجه أعداء الأمة وطغيانهم الذي لا يقل طغيانا وجورا عن طغيان بني أمية وحكامهم الضالين.
والواقع اليوم بما فيه من مقارنات بين من حمل السلاح في وجه العدو ومن حمله ليدافع عن العدو، يثبت أن خيار المواجهة مع أعداء الأمة هو الخيار الصحيح، ولعل ما حدث في العراق إبان الاحتلال الأمريكي من ظلم وانتهاكات وإهانات لأبناء الأرض الذين رضوا بخيار الاحتلال خير دليل على ذلك، إذا ما قارناه بواقع اليمن بعد سبع سنوات من خيار المواجهة.