في التاسع من نوفمبر 1977م خطب الرئيس محمد أنور السادات في مجلس الشعب المصري معلنا أنه سيحارب الإلحاد في مصر ،في وقت كانت مصر تعاني من تنامي تضخم جماعات التكفير التي جاءت من عباءة الإخوان المسلمين ،سواء جماعات التكفير والهجرة بحسب التسمية التي أطلقتها عليهم الأجهزة الأمنية في مصر،أو جماعة الفنية التي قادها صالح سرية . مع ذلك أعلن الرئيس السادات أنه سوف ينزل إلى الشارع ،إذا اقتضى الأمر ،ليحارب الإلحاد والأفكار الإلحادية . وإلى جوار هذا التصريح كان إعلانه في ذات الخطاب للمرة الأولى أنه مستعد لزيارة إسرائيل .أي أن الإلحاد الذي سيحاربه هو قوى الشعب ،من طلبة وفلاحين وعمال ومثقفين ،وجيش سيعمل على استهدافه ،وتفكيك كتلته ،وتحريف مساره واستراتيجيته . فهذه القوى تشكل ممانعة ورفضا للكيان الصهيوني ،ورفضا لتحولات الباب المفتوح اقتصاديا .بمقابل رعايته لنمو طبقة طفيلية جاهزة لإحداث التحولات في مصر لصالح المشروع الغربي الصهيوني في المنطقة .
يلاحظ أن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للدين في مواجهة العروبة قد تمثل بتأسيس مؤتمر للكنائس العالمية والمؤتمر الإسلامي الذي تديره وتموِّله السعودية ،وكلاهما بإشراف المخابرات الأمريكية .
لقد كان مشروع تطييف مصر منذ السبعينيات ،وإن فشل حتى الآن بسبب طبيعة المجتمع والجيش المصري ،اللذين يشكلان صمام أمان ضد نجاح المشروع الطائفي وتفتيت المجتمع المصري ،إلاّ أن سحق الطبقة الوسطى في مصر وسياسة الإفقار للمجتمع ،واستنزاف الجيش في السنوات الأخيرة ،كلها عوامل تعمل على إضعاف الممانعة لدى الجيش والمجتمع ،ونجاح المشروع الصهيوني ،الذي أصبحت شروطه وظرفه الموضوعي خلال السنوات الأخيرة قوية .
فالحرائق في الوطن العربي تشتعل ، ويتم تغذية الخطاب الطائفي والمناطقي ،كل ذلك من أجل :
1- النفط العربي .
2- الممرات الملاحية العربية .
3- الموقع الاستراتيجي لعرب الشرق الأوسط المحاذية لجمهوريات آسيا الوسطى ، ولروسيا .
كل هذه النقاط هي مناطق النفوذ التقليدية للاستعمار القديم ،ومناطق النفوذ للاستعمار الجديد. كما يرى ذلك برؤية تحليلية وشمولية الدكتور غالي شكري في كتابه الثورة المضادة في مصر ،الصادر عن دار الطليعة 1978.
لذلك فإن أي تنمية مستقلة في الوطن العربي أو قرار سيادي ونهوض ومقاومة في اليمن أو سوريا أو العراق أو لبنان أو نهوض للمقاومة الفلسطينية –كل ذلك يجعل الغرب يوجه ضربته الاستراتيجية في هذه المناطق ،ومن هنا نفهم إشعال الحرائق والحروب والفتن في أكثر من قطر عربي .
لم يعد العصر عصر تحريك الأساطيل والتورط المكلف ،كما يرى ذلك غالي شكري في كتابه سابق الذكر،فقد أصبحت أدواتهم في المنطقة كفيلة في كل بلد على أن تتلقى الأوامر ،وتنفذ التعليمات تنفيذا يستثمر الظروف والخصوصيات في كل بلد.
بعد خطاب السادات بعشرة أيام كان السادات يهبط من الطائرة في مطار اللد ،لينحني أمام العلم الإسرائيلي ،وكانت أول برقية تأييد تصله من الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر .
“كان الرئيس في القدس والشيخ في واشنطن ” ص326-الثورة المضادة –غالي شكري –دار الطليعة 1978م.
أصبحت الثورة المضادة بوجهها الصهيوني والطائفي والمناطقي –استباقية وقائية ؛أي أنها ليست رد فعل بل استباق للفعل “ومن ثم فهويتها هي العدوان المتعمد مع سبق الإصرار …والمسارعة لإجهاض الجنين قبل أن يولد “ص10-المرجع السابق.
ومن هنا “نفهم أن المظاهرات الشعبية التي يساء توقيتها وتنظيمها وقيادتها يمكن أن تؤدي إلى انكسار طويل المدى ” كما يرى ذلك غالي شكري نقلا عن انجلز –انتفاضة يونيو –حزيران ،الباريسية .
الغرب لم يوقف حربه في اليمن وسوريا ،ولن يتوقف عن إشعال الحرائق والفتن في العراق،وإشغال مصر باستراتيجية التطييف واستنزاف جيشها – إلا إذا كانت الظروف المطلوب توافرها قد أصبحت جاهزة ؛أي إفساح المجال لتخليق ظرف موضوعي تحت إشرافهم ،وتهيئة الأرض التي سيقام عليها البناء الصهيوني في المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا .
يكثر هذه الأيام الحديث عن السعودية والخليج كبقرة حلوب تستغفلهم أمريكا لأخذ المزيد من الأموال ،لكن الحقيقة هي أن “حنفية المال السعودي ” والخليجي بشكل عام “تحركها الأزرار الأمريكية ،وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في إضعاف مصر عسكريا وسياسيا بتوصلها إلى إبرام اتفاقية سيناء ، حيث انعطفت بموقع مصر من مكانتها القيادية البارزة في حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار إلى مكانة ذيلية داخل فلك النفوذ الامبريالي ،فإنها قد أسندت مهمة إضعاف مصر حضاريا ومعنويا إلى السعودية …حيث تصبح شروطها التي تبدو في الظاهر دينية مدخلا ابتزازيا لجر مصر إلى هوة الانتحار وما وراء الوراء ،بتحويلها إلى صحراء حقيقية …”ص186-الثورة المضادة –غالي شكري.