لكن ننظر إلى مثال تحدثنا عنه بالأمس، حتى نعرف علاقة الدين بنا في هذه الدنيا، في حياتنا هنا في الدنيا، وفي حياتنا في الآخرة؛ لتعرف كيف يعمل الأذكياء من الأعداء، كيف يتجهون لمحاربة ديننا.
مثلًا الشيطان ما الله ذكر في القرآن بأنه عدو مبين للإنسان، شديد العداوة للإنسان؟ الشيطان هذا نفسه، هو وشياطينه، ومعه جنود كثير، هل هو يسلطهم على [قاتنا] يقطفوه؛ لكراهته لنا، أو على سياراتنا يكسروها، أو على أولادنا يسقطوهم؟ أو على [بنِّنا] يكسروه؟
هل هو يسلطهم على شيء من أمور الحياة هذه التي لدينا؟ مع أنه عدو شديد العداوة. لماذا يتجه إلى أن يفصلنا عن الحق، وعن الدين؟ لماذا؟ لأنه يعرف بأنه إذا ضربنا في ديننا، ضربنا في الحياة هذه، وفي الآخرة، وأوصلنا إلى جهنم؛ لأنه عدو شديد العداوة، يريد أن يلحق بنا أقصى، وأقسى ضرر.
فهو يعرف أن حياتنا هنا، سعادتنا، قوتنا، عزتنا، مجدنا، شرفنا، مرتبط بديننا، فليضرب الدين حتى لا تقم لنا قائمة. الشيطان ربما يعرف أكثر مما يعرف كثير من الناس السنن الإلهية، التي ذكرها الله في القرآن؛ لأنه سمع من أول يوم {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه123) ولنصبح هكذا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} (طه124) فهو يعمل على أن نعرض {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
الشيطان ما هو ذكي؟ لأنه فهم تمامًا علاقة سعادة أعدائه هؤلاء، الذين هم بني آدم، أن سعادتهم مرتبطة بدينهم في هذه الدنيا، وفي الآخرة، وعزتهم، وقوتهم، ومجدهم، ورفعتهم. إذًا فليهاجمهم في هذه النقطة في دينهم، [وإلا يستطيع أن يكسر سيارات الناس، ويقطف قاتهم، وبنهم].
أليس الأعداء إذا هناك متعادين، أليسوا يعتدون على بعضهم بعض؟ هذا يقطف [قات] ذاك، وهذا يقطف [بِنَّه]، أو يحرق حطبه، أليس هذا الذي يحصل من الناس؟ الشيطان ينظر إلى أن هذه القضية قضية من يعملها يعتبر مغفل. إذا أنا أريد أن أضرب الناس تمامًا، أضربهم في دينهم.
اليهود والنصارى، أولياء الشيطان يعرفون تمامًا الطريقة هذه، أعداء الله الذين حكى عنهم بأنهم أعداء لنا، ألم يتجه اليهود بسرعة، وما قد احتلوا إلا شعبين، هما العراق وأفغانستان، واتجهوا ليغيروا المناهج، ويسيطروا عليها في معظم البلدان العربية. فاهمين هم أن أهم شيء يجب أن يركزوا عليه هو ما يتعلق بديننا، فليفصلونا عن هدي الله، عن دينه، فيكونوا قد حققوا كل شيء.
يخرجون أمة ضعيفة، هزيلة، مفرقة، مشتتة، لا تعرف شيئًا، لا تحرك ساكنًا، ويكونون قد هيمنوا على كل شيء، مما يجعل معيشتنا في الأخير معيشة ضنكا.
السعوديون الآن معيشتهم ضنكا، وهم لديهم خمسة ملايين برميل في اليوم، من غير الموارد الأخرى، من بعد ما دخل الأمريكيون لديهم في حرب الخليج من عام [91م] وضعيتهم الآن سيئة جدًا مقارنة بما كانوا عليه سابقًا.
إذًا فلنفهم، نفهم أن الناس الذين يفكرون [قالوا إن هناك حرب للدين] وعنده الدين! مادام أنه ستسلم له أموره الخاصة، فليست مشكلة لديه، لا، يجب أن نفهم أن هذا الشيء، وهو: علاقة الدين بنا. لهذا في الواقع أن ما الدين هو الذي هو بحاجة هو إلينا مثلما نقول، العبارات التي تعودنا عليها: [ندافع عن ديننا].
إن الدين هو الذي يدافع عنا، نحن بحاجة إلى الدين نحن، نحن بحاجة إلى الدين في حياتنا هذه؛ لأنه ماذا يعني الدين؟ الدين هو هدى الله، هداه، هدانا، أي رسم لنا طريقة، وهدانا إليها؛ لكي نتحرك في هذه الدنيا؛ لنكون أقوياء، لنكون أعزاء، لنكون سعداء، لنكون عظماء، في هذه الدنيا، وفي الآخرة. هذا هو معنى الدين.
أليست حياة الناس ضنكا؛ لإعراضنا عن الدين، والحياة كلها ضنكا، عندنا وعند غيرنا. الحكام الذين نراهم الآن مرتاحين، بأموال كثيرة، وممتلكات هائلة، في أشد ضنك الآن، قد كل واحد ينظر إلى ما لديه، وقد هو يرى أنها لم تعد إلا أيام وأمريكا ستقضي عليهم. أليس هذا من ضنك المعيشة؟
تصبح أموالهم، وأولادهم وسيلة تعذيب نفسي شديد لهم، مثلما قال الله في القرآن: {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا} (التوبة85) لأن أشد عذاب لك في هذه الدنيا عندما تأتيك الأشياء الصعبة وأنت في أحسن حال باعتبار ممتلكاتك. أليست الحالة ستكون نكايتها أشد؟
بعض الناس يرى نفسه ذكيًا يقول: [ياذه حاول تِسلَم، وتحافظ على مصالحك] أليس هكذا؟ وفعلًا تكبر مصالحه، وتتكاثر، لكن تكون في الأخير بالشكل الذي كان أفضل له أن يضرب قبل كم سنين، ولا أن يمهل إلى بعد عشر، أو خمس عشرة سنة، وقد صارت دنياه واسعة، وقد ممتلكاته واسعة، وقد هو في أعلى مكان. سيكون وقعها شديد جدًا على نفسه.
وهذا من أمثلة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة85).
أليس الفقير الصعلوك لا يكترث؟ يدمروا بيته لا يكترث لذلك، كم هو بيته! غرفتين، ثلاث، ما يحسب لها حساب. لكن هؤلاء الكبار الآن في حالة؛ ولهذا لاحظوا؛ لأنهم قد اعتموا بشكل رهيب، من أجل إذا بالإمكان أن يفرعوا في نفوسهم، وليس فينا، إذا ممكن يفرعوا في نفوسهم من أمريكا [تفضلوا غيّروا المناهج، تفضلوا وغيروا المرشدين، وخطباء يخطبوا على كيفكم، ومعلمين يعلموا على كيفكم، إذا ممكن تسلمونا] ولم يسلموا.
وهنا يتضح أيضًا كيف يكون عمل الناس الذين يحكمون الناس، ولا يهتموا بالناس فعلًا في الأخير يضحوا بالآخرين، يضحوا بديننا ما هي مشكلة، يضحوا بنا ما هي مشكلة، إذا هو سيسلم، إذا قد هو سيسلم هو وتسلم ممتلكاته فما هي مشكلة.
ومن أخطر ما عملوه، من أخطر ما عملوه أن يسمحوا للأمريكيين أن يتجهوا للتحكم على مدارسنا، ومساجدنا، وهم عملوا هذا من أجل ماذا؟ أليسوا يقولون: حفاظًا على مصالحنا! كذب، وأوسخ كذب من يقول العبارات هذه، لماذا؟ لأن أهم مصلحة لدينا، ويحافظ على مصالحنا، هو ديننا. إذا أنت ستمكن العدو الذي هو من أولياء الشيطان، وشيطان ربما أشد من إبليس، تمكنه أن يلعب بديننا، أنت تضرب أنت أهم أساس لمصلحتنا، أنت الذي تقول إنك محافظ على مصالحنا.
وكثير من الناس لا يفهمون، يقولون: قالوا إنهم يريدون الحفاظ على المصلحة العامة للشعب، أليسوا يقولون هكذا؟! أي مصلحة ستحافظ عليها وقد أنت مستعد أن تمكن الأمريكيين أن يغيروا المناهج التعليمية، ويتحكموا فيها، وعن طريق الأوقاف يتحكموا في المساجد؟! هل بقي مصلحة يحافظون عليها؟ بعد ما يتجهون إلى ضرب الدين هل بقي مصلحة؟ أبدًا.
يجب أن نفهم علاقة الدين بنا، وحاجتنا الماسة، والشديدة إلى الدين الذي يعني: هدي من الله لنا في هذه الحياة؛ لنكون سعداء، الله ما خلق الإنسان في هذه الدنيا ليشقى، هل تعرفون هذه؟ لا يأتي الشقاء إلا من الإعراض عن دين الله، لا يأتي الشقاء في هذه الدنيا إلا بما صنعه المعرضون عن هدي الله.
ليس فقط سيقولون لك: [إن الله خلق الدنيا هكذا تعيبة، ومتعبة، ومصائب، وبلاوي، وشقاء] وأشياء من هذه، لا، الله خلق هذه الدنيا كحياة للإنسان؛ ليسعد فيها، والقرآن الكريم يؤكد هذا في أكثر من آية.
وهذه الآية نفسها هي واضحة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه123) ماذا يعني يشقى؟ لا يشقى كما شقي آدم عندما أخرج من الجنة، ألم يكن في جنة جعل الله له جنة يعيش فيها حياة سعيدة، وعيشة واسعة.
ولكن عندما خالف ما نهاه الله عنه شقي، ألم يشق؟ يعني أخرج من تلك الجنة، حتى نزعوا عنهم ملابسهم، وينزل يدبر نفسه، يتعلم كيف يحرث، ويزرع، وكيف ينسج له لباس، ما عاد تستر إلا بورق من ورق الجنة يغطون على عوراتهم بها! فعلًا ليس المعنى أنه لباس التقوى، {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} (الأعراف27) يعني: لباس التقوى، لا، هذه قضية حقيقية، أن الله يؤكد فيها أن الناس ما يشقوا في هذه الحياة إلا بسبب إعراضهم عن هديه؛ لهذا فالأعداء الأذكياء، الأعداء الأذكياء، الخبثاء أشد عداوة، هم من يتجهون إلى ضرب الدين، أي إلى فصلنا عن ديننا، وهذا العمل الذي يعمل عليه إبليس على مدى آلاف السنين؛ ليضربنا في أهم قضية يتوقف عليها سعادتنا في الدنيا وفي الآخرة.
فيجب على الإنسان أن يكون واعيًا، ومنزعجًا جدًا عندما يسمع أن هناك توجه لحرب الدين، أن تعرف أنهم يحاربونك في أهم مفصل، ويضربونك في أهم موقع بالنسبة لحياتك كلها، في الدنيا وفي الآخرة.
كثير من الناس يسمع بحرب للدين [وأمانة الدين والدين] وعنده في ستين داهية الدين، عنده الدين هناك حاجة ثانية، وهذا -مثلما قلنا أكثر من مرة- هذا مثل واضح فعلًا أنهم بتوجههم إلى السيطرة على مناهجنا الثقافية، أنهـم محاربين لديننا، أليس هكذا؟ وأن توجههم إلى هذه النقطة هم يعرفون بأنها أهم نقطة يتوجهون إليها، فإذا ما تمكنوا منها تمكنوا من كل شيء بالنسبة لنا، وضيعونا في الدنيا، وفي الآخرة.
لأنه بالنسبة للآخرة ما الله حكى عنهم أنهم قالوا: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (البقرة111) يريدون أن يتحكموا في الدنيا، وعندهم أنهم أيضًا سيتحكمون في الجنة! ما يريدوا أن يروا عربًا قبلهم في الجنة نهائيًا إذا دخلوا، يتصورون أنهم سيدخلون هم، لا يريدون أن يرونا قبلهم، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
هنا يقول في الآية هذه: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ} (الكهف1-2)؛ لأنه سيأتي بالحديث عن ناس انطلقوا في سبيله، وهم أصحاب الكهف، انطلقوا بموقف قوي، أعلنوا فيه إيمانهم بالله الواحد القهار، أعلنوا فيه إيمانهم بالله وحده، وكفرهم بكل ما يعبد قومهم من آلهة أخرى، بموقف علني، وموقف قوي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
آيات من سورة الكهف
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: الجمعة 29/8/2003م
اليمن – صعدة
*نقلا عن : موقع أنصار الله