يبدو أن أمريكا ومعها أوروبا لم يتعظوا مما جرى عام 2006م على يد الثلة المؤمنة في لبنان ، فرغم أن مادلين أولبرايت أعلنت في ذلك الوقت أن ما يجري في لبنان مقدمة لترجمة مشروع الشرق الأوسط الجديد ، إلا أن حزب الله ومجاهديه الأبطال استطاعوا إسقاط هذا المخطط الإجرامي الرهيب وسقطت معه أولبرايت وتصريحاتها في مزبلة التاريخ ، واليوم هاهي نفس القوى الاستعمارية البغيضة تحاول إحياء المشروع من جديد بقرون أخرى تمتد إلى حضرموت والمهرة وبعض المناطق اليمنية حسب المخطط المرسوم، لخلق مواقع فاصلة تُمكنها من التحكم في شؤون المنطقة .
المشكلة أن هذا المخطط بدأ يتآكل من الداخل ومن الأرض التي صدر فيها وفلقد تعاظمت ردود الفعل المستهجنة والمتعاطفة على ما يجري في غزة من فظائع ومنكرات في أمريكا وأوروبا بعيداً عن هيلمان الأنظمة كما جاء على لسان بعض الناشطين في فرنسا وأمريكا وبريطانيا ، قال أحدهم في هذا الشأن «كم أصبحنا نمقت هؤلاء الجبابرة وهم يروون لنا الأعمال البشعة ويمجدون القتل المتعمد لذاته ليؤكدوا أن دويلة ما يُسمى بإسرائيل ليست إلا ربيبةً لهم ، من خلالها يسعون إلى ترجمة الاستراتيجيات التي يرسمونها ويضعونها في مخيلاتهم ويحاولون ترجمتها على الواقع ولو على حساب أشلاء الأطفال والنساء وأنين الشيوخ وصدى الصواريخ التي تسقط على رؤوس الأبرياء وتُهدم المنازل فوقهم لدفنهم أحياء وحكامنا الأفذاذ يشرعنون مثل هذه الأفعال الفظيعة ، وكأن مشاهد القتل والدمار تحولت إلى سيمفونية يستمتعون بها صباحاً ومساء ويزيفون الأخبار ويسوِّقون الأكاذيب التي تُمجدها وكأنهم يعيشون المعركة بتفاصيلها كاملة .
الحقيقة أنه رغم الخسائر الكبيرة والفظائع الكارثية وحالة الدمار البشعة ، إلا أن طوفان الأقصى حقق نتائج هامة تمثلت في تعرية الإعلام الغربي وكشف أوكار الجريمة فيه ، فلقد تعرض لأكبر فضيحة وهو ينقل تصريحات بايدن عن قتل الأطفال في غزة ، ولم يبادر إلى تكذيب مثل هذه الأقوال رغم أن الإعلام الأمريكي كذبها نقلاً عن المتحدث باسم البيت الأبيض، وهكذا يتعاطى الإعلام الغربي مع كارثة الشعب الفلسطيني ليمثل حالة من الانحطاط والتجرد من كل القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية ، أي أن هذا الإعلام سقط حتى في نظر شعوبهم ، فلقد تابعنا تغريدات في أوروبا تُعبر عن رفض مطلق واستنكار وسخط لما يسوِّقه هذا الإعلام ، وحتى الإعلام داخل الأراضي المحتلة أصبح لا يعترف بتصريحات نتنياهو وأركان حكمه ، بل يُمجدون أعمال المجاهدين الأبطال من أبناء فلسطين المظلومين عندما اقتحموا المستوطنات والقواعد العسكرية في غمضة عين وساقوا معهم الأسرى والغنائم إلى غزة كما جاء على لسان ناشط صهيوني يبحث عن أخيه الأسير ، قال أن نتنياهو في ما يقوم به لا يبحث عن أسرانا ومفقودينا بقدر ما يبحث عن استعادة ماء وجهه الذي سفحه الفلسطينيون وكرامته التي تبعثرت واختلطت بآمال الفلسطينيين الباحثين عن الحق .
هذه النخب الجديدة التي كثر وجودها في الأرض المحتلة قد تتعاضد مع نفس النخب التي يتعاقب وجودها في أوروبا كلما تمادى الحقير نتنياهو في عدوانه الشرس على الأطفال والنساء في غزة وتُشكل مرحلة جديدة تُعيد التوازن للنظام العالمي وتُعيد أمريكا إلى الصواب والتعامل بمسؤولية مع ما يعانيه البشر من مآس .
بالمقابل كل الدلائل والمؤشرات والمشاهد الإجرامية التي ينشرها الإعلامان الأمريكي والغربي تكشف عن حجم المؤامرة التي حيكت في زمن مبكر وتدفع الساسة في الغرب بشكل عام إلى إحياء نفس المشروع الاستعماري البغيض المسمى بالشرق الأوسط الجديد بما يؤكد أن أمريكا والغرب بشكل عام لم يتعظوا ولم يُدركوا أن أصحاب الحق لن يتخلوا عن حقهم مهما عظمت التضحيات ، وهذا ما يجري اليوم في غزة ، نمُدُ أيدي الضراعة إلى الخالق سبحانه وتعالى أن ينصر المقاومين من أبناء غزة ويمُدُهم بالعزائم والقوة التي تمكنهم من دحر الأعداء المغتصبين وتحرير الأقصى إن شاء الله ، إنه على ما يشاء قدير ، والله من وراء القصد ..