|
اليمن والمستوى الحضاري المعاصر
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: 9 أشهر و 11 يوماً الجمعة 09 فبراير-شباط 2024 08:00 م
من الثابت أن الثورات تحدث تبدلاً في شكل العلاقة بين الدولة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية وبين فرق وطوائف المجتمع، فالتبدل والتغيير من خاصية الثورات والهزات الاجتماعية العنيفة التي حدثت في كل حقب التاريخ، ولذلك لا تكف الأخبار في تناولاتها اليومية عن حدث أو صراع أو حركة اجتماعية، فالتدافع الذي يحدث هو صراع بين ماضٍ يتشبث بالوجود وحاضر متبدل يرغب في الوجود، ومثل ذلك التدافع من سنن الله في كونه، ويحدث خوف الفساد وخوف الثبات .
وحتى نعي المستوى الحضاري الجديد الذي وصل اليه البشر لا بد أن نسلم بالحقيقة الجوهرية الثابتة التي ترى أن الفكرة الدينية فكرة ثابتة لا يمكنها التغير في بعديها العقائدي والأخلاقي بقطعية النصوص، ولكن المشروع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي قابل للتحول والتبدل ويمكن ابتكاره وإبداعه من تفاصيل الزمن الحضاري، ولذلك فقضيتنا لا تنحصر في موضوع الدعوة وفرض ثقافتنا وعقائدنا على الآخر، فقد حصرها النص الديني بالبلاغ، والبلاغ قابل للتحقق من خلال المشروع الاجتماعي والسياسي، وشواهد التاريخ دالة على ذلك .
إذن تشذيب التراث من كل شوائبه التي فرضتها الضرورات التاريخية والسياسية هو البداية المثلى لصناعة مشروعنا السياسي الذي يتفاعل مع العالم من حولنا ليكون مؤثرا فيه لا متأثرا به، والآخر يخاف من المشروع السياسي المتجدد ولذلك سعى إلى اغتيال رموز النقد والتنوير واستمال العلماء اليه ومن رفض نالته يد الغدر ولو جال البصر في الزمن المتأخر منذ عقد الثمانينيات لرأينا هذه السياسة بشكل جلي وواضح، لكنه لا يخاف الفكرة الدينية بل تعامل معها بقدر من التفكيك والتشويه وشواهد ذلك كثيرة بدءا من أفغانستان ولا نقول انتهاء بداعش، فالقائمة ليست محددة بزمن .
إنَّ الحديث عن التطورات الاجتماعية والثقافية، وجدلية الاندماج الاجتماعي، والاندماج السياسي للجماعات والأحزاب والطوائف من ضرورات اللحظة، فالعقل الاجتماعي والعقل الفلسفي كم خاض في تفاصيل الحركة الاجتماعية التي تعيد إنتاج نفسها من خلال الاشتغال على التفكيك في البنى التقليدية، وذلك بحثا عن الوجود أو عن وسائل مثلى لدعم التسامح، وقبول الآخر، والاعتراف بوجوده، والتعايش معه، واحترام معتقداته وثقافته، ولعل البحث عن تلك العلاقات الشكلية بين مكونات المجتمع المختلفة والدولة وفق المفهوم الجديد الذي أفرزته وتفرزه حركة المجتمع يقود إلى الحديث عن دمج كل الفرق والجماعات والأحزاب في إطار المفهوم الجامع الشامل الذي تستظله عبارة “المواطنة المتساوية”.
ولعل إشباع مفهوم “المواطنة” تنظيراً وجدلاً وتكثيفاً وتشريعاً وممارسة هو الباب الذي نلج منه إلى البناء الصحيح في توطيد الروابط الاجتماعية، والمشاركة في النشاط الاجتماعي المتنوع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وبحيث نصل إلى حقيقة الاستقرار والشعور بالوجود لكل أطياف المجتمع ومكونه العام، فالتعدد ظاهرة محمودة تمنع الاستبداد وتحد من الطغيان من خلال التدافع الصامت الذي يحدث بين مؤسسات الدولة المختلفة وبين المؤسسات المدنية والذي يحدث بشكل غير مباشر وبصورة بينية، فالفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، يعمل على تفعيل خاصية التدافع الصامت من خلال المواجهة والاحتكاك بين السلطات، فالسلطات الثلاث تحتك وتتضاد مع الأخرى وبما يفضي إلى القول أن الدولة من خلال تعدد سلطاتها ستحد الدولة.
ولا بد أن ندرك أن المستعمر وصل إلى غاياته وأهدافه فقد جعلنا شيعا وأحزابا وفرض سيطرته وهيمنته على كل مقدراتنا، فالحروب المشتعلة في المنطقة العربية سواء في حاضرنا أم في الماضي القريب كانت تجري وفق استراتيجيات واضحة المعالم والأهداف، وهدفها لم يكن خافيا على أحد، وهو إعادة رسم الخارطة بما يتسق ومصالح النظام الدولي ومصالح الكيان الصهيوني، ويحقق لإسرائيل الاستقرار، وتدفق المصالح بسلاسة، ووفق الاستراتيجيات فإن رسم الخارطة – التقسيم- كان يرتكز على أسس طائفية، وثقافية، وعرقية، وبحيث تصبح إسرائيل ذات مركزية ووجود، يستند على شرعية بدون تشعبات وتنازعات .
والمشكلة أن القوى الفاعلة سياسيا واجتماعيا – بعد أن تراجعت القوى التقدمية والطلائعية – قصور في فهم الواقع السياسي العالمي، وربما تتنازعها في ذلك الأهواء والقناعات والمذاهب والطوائف، ومبادئ التسليم المطلق للقناعات، والمعتقدات، واحيانا للميتافيزيقا التي لا تبني التحرك على أسس علمية واضحة المعالم والأهداف، فالكثير من الجماعات تذهب إلى حركة الحياة دون تسلح بفكرة العلمية، فهي تريد من العالم أن يكون مثلها دون أن تخاطب العالم من حيث هو ككيان مستقل خاضع لمنطق الأشياء، فالإسلام لم يكن حالة الغاء فقد تفاعل مع الفرس والروم كحضارتين قائمتين في زمنه تفاعلا حرا وإيجابيا ترك أثرا على الحضارة الإنسانية كلها، ولم يؤثر عنه أن الغى ثقافات الشعوب بل قاد حركة إصلاح للثقافات وللأخلاق، وتفاعل مع المجتمعات، واستفاد من تجارب الشعوب، وتجارب الحضارات الكائنة في ذلك الزمن، وحين تقوقع في دوائر الذات وانغلق على نفسه فقد تأثيره، وانحسرت مكانته، وأصبح دويلات منقسمة ومتحاربة ومستعمرة .
نحن أمام مرحلة فارقة تتطلب يقظة متناهية، فالحرب انتقلت إلى جبهات أخرى مثل الجبهة الثقافية والسياسية والاجتماعية، كما أن المرحلة تعتمد على الوعي وعلى الصناعة، وعلينا أن نصنع غدنا بما يليق بنا .
*نقلا عن :الثورة نت |
|
|