يحتفظ اليمنيون بمئات القصص التراجيدية جراء العدوان السعودي على اليمن طيلة تسع سنوات مضت. لا يمكن للسنوات التي تطوى سريعاً أن تمحو الأحزان من القلوب، ففي كل بيت يمني مأساة، وألم، ومعاناة، جراء القصف السعودي، والعربدة السعودية، والتوحش السعودي، الذي بدأ في 26 مارس 2015، ولهذا لا يمكن أن نخفف عن كاهل ذاكرتنا أموراً قد مرت.
من أين يمكن للمرء أن يبدأ وهو يتذكر فاجعة لا تزال تهز وجدانه، مذبحة تناقلتها عدسات الكاميرا سريعاً، وتصدرت وسائل الإعلام العربية والعالمية، وفضحت وعرت النظام السعودي الذي وزع قذائف وحمم موته على المدنيين في اليمن.
الصباح كان هادئاً بطبيعته يوم 11 رمضان 2019م ، فاليمنيون عادة ما ينامون في شهر رمضان إلى ساعات الظهيرة، الشوارع خالية من المارة، لا أصوات لسيارات ولا دراجات نارية، وفي السماء كانت طائرة سعودية تحوم في أجواء العاصمة صنعاء لتبحث عن ضحية جديدة من خلال القصف الآثم، أو بالأصح لم يكن الطيار يبحث عن الضحية، فقد حدد له الهدف مسبقاً من غرفة عمليات يشترك فيها ضباط سعوديون وإماراتيون وأمريكيون.
أطلق الطيار صاروخاً واحداً -صناعة أمريكية- على شقة يسكنها شقيقي رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين آنذاك سعادة السفير عبد الله صبري في منزل مكون من أربعة طوابق بحي الرقاص بالعاصمة صنعاء، لتكتب هنا مأساة جديدة، وفاجعة جديدة، وجريمة دونت في السجل الإجرامي الدموي للنظام السعودي بقيادة المجرم محمد بن سلمان.
استشهد في القصف لؤي (21) سنة، وحسن (19) سنة، وهما نجلا أخي عبد الله، كما استشهدت أمي، وهي ساجدة صائمة محتسبة، وأصيب عبد الله حينها بكسر في رجله اليسرى، وقدر الله لبقية العائلة التي كان عددها 9 أفراد، بينهم والدي النجاة بأعجوبة، دون أن يصيبهم سوى بعض الصدمات الخفيفة.
في الجهة المجاورة للمنزل كان جارنا الطيب من آل الحبيشي نائماً مطمئناً، ليشهد هو الآخر فاجعة لا تزال تؤرقه إلى يومنا هذا، فقد استشهد 4 من أبنائه، وهم من فئة المعاقين، وكتب الله للأب والأم والطفلة الكبرى النجاة.
كان الخبر كالصاعقة علينا حين علمت مع أخوتي الآخرين بهذا النبأ، حيث كنا في منزل آخر، ومعها بدأت رحلة المتاعب في المستشفيات، وتلقي الأنباء الصادمة عن استشهاد هؤلاء النجباء، لتزداد قناعتنا بوحشية النظام السعودي ومدى قبحه وهو يلاحق المدنيين، ويقتل الأطفال والنساء وهم نائمون، دون حتى أدنى مراعاة لحرمة الشهر الفضيل.
ليست جريمة الرقاص حالة استثنائية للعدو السعودي جاءت عن طريق خطأ على سبيل المثال، بحيث يمكن لنا أن نسامح أو نغفر، بل هي حالة لازمت النظام السعودي منذ أن بدأ عدوانه على اليمن، وابتدأ يومها بسفك الدماء وقتل المدنيين الأبرياء في حي بني حوات بصنعاء، ليدشن بذلك مرحلة من سفك الدماء والإجرام بحق المدنيين من أبناء الشعب اليمني.
المئات من الجرائم ارتكبت في اليمن، توزعت على صنعاء وبقية المحافظات، وشملت صالات العزاء والأفراح، كما حدث في قصف عرس سنبان، وقصف الصالة الكبرى، وقصف حافلة تقل الأطفال في ضحيان بصعدة، وقصف الأسواق الشعبية في عدد من محافظات الجمهورية، حتى المدارس لم تسلم من القصف، فجريمة سعوان لا تزال عالقة في أذهان كل يمني.
كل ما هو جميل دمره العدوان السعودي الأمريكي، فقد قصف الطرقات والجسور، المساجد، المطارات، الاتصالات، مساكن الأبرياء، المقابر.. المقابر! نعم المقابر، والكثير من المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال تم انتشال أجسادهم البريئة من تحت الأنقاض، في حالة شبيهة اليوم بما يحدث من عدوان صهيوني على قطاع غزة.
الحزن دخل كل دار في اليمن بسبب جرائم العدوان الأمريكي السعودي، فالأمهات مكلومات على أبنائهن، والأبناء موجوعون على فقدان أمهاتهم، والأخوة أيضاً مكلومون على أخوتهم، وهكذا الحال في واقع لا يمكن نسيانه ولا غفرانه.
ستظل لعنات اليمنيين تطارد النظام السعودي، ولن تهدأ نفوسهم أبداً إلا بالقصاص منه، أو بالنظر إلى عقاب الله له، فما حدث في اليمن خلال 9 سنوات ليس بالقليل ولا بالهين، وهو عدوان لن يمحى من ذاكرة اليمنيين، وسيتذكره الأجيال جيلاً بعد جيل، وما الله بغافل عما يفعل الظالمون.
* نقلا عن :موقع دائرة الثقافة القرآنية