مقدمة
تعد السنن الإلهية من الموضوعات المحورية التي تناولها القرآن الكريم بكثير من التفصيل من خلال تناوله قصص الأنبياء والأمم السابقة، يعرض القرآن سنناً إلهية ثابتة تحكم مصائر الأمم والشعوب كسنن الهداية وسنن العقوبات وسنن الاستبدال وسنن الابتلاءات وسنن الصراع…. إلخ. في هذا التقرير، سنكتفي بالتركيز على السنن الإلهية في الصراع من خلال أمثلة قرآنية، وإسقاطها على الواقع المعاصر لفهم كيفية تطبيق هذه السنن في الواقع البشري ونتائج الالتزام أو الاخلال بها:.
أولا سنة التدافع
في تناغمٍ مع النسيج الكوني، تجري سنة التدافع كنهرٍ فطريٍّ يشق طريقه بين الناس، محافظةً على استقامة الحياة واعتدال ميزانها. هذه السنة، التي تُعد من القوانين الربانية الجارية، لها تأكيدها في القرآن الكريم، حيث تُعرض بصورة عامة وتُفصّل في آيتين بالغتي الدلالة.
ففي آيات البقرة، يقول الله سبحانه و تعالى: { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، مُبرزًا الحكمة الإلهية في توازن الخلق وحفظ الأرض من الفساد.
وفي سورة الحج، يُشير العزيز القدير إلى أثر هذه السنة في حماية دين الله ولولا سنة التدافع لبطل دين الله بغلبة الكفار ومحاربتهم له،، حيث يقول جل شأنه: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، مُؤكدًا على قوة الله وعزته في نصرة من ينصره.
هذان النصان الكريمان يُعطيان بُعدًا عميقًا لسنة التدافع، مُظهرين أنها ليست مجرد حركة طبيعية بين البشر، بل هي إرادة إلهية حكيمة تُسهم في استمرارية الحياة وتحقيق العدل والتوازن في الكون.
ومن الأمثلة المهمة جدا التي عرضها القرآن الكريم التي تدلل على أن التدافع بين الناس سنة إلهية ضرورية هي قصة طالوت وجالوت بما حملت هذه القصة من دلالات بالغة الأهمية يقول الله سبحانه وتعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:251).
ويتناول الشهيد القائد هذه الآية المباركة بشيء من التفصيل يقول في محاضرة [سورة البقرة ـ الدرس العاشر] التدافع سنة إلهية، عندما يكون على المسلمين أن يقاتلوا أعداء الله، لأن هذا العمل يعتبر في إطار البشر بشكل عام يدخل ضمن سنة التدافع لأن معناه ضرب للمفسدين، أحياناً داخل المفسدين هم لا يسمح لطرف من الأطراف أن يصل إلى درجة عالية من طغيانه وفساده، يهيئ طرفاً آخر يضربه حتى ولو كان منهم، لأن الله ذو فضل على العالمين، وهو رب العالمين جميعاً.
هذه القصة هامة جداً فيما يتعلق بالمقصد كيف يجب أن يكون في وضعيتنا هذه، في مواجهة بني إسرائيل؟ نقول: نحن نعمل مثلكم الآن تماماً، رجعنا إلى كتابنا ونبينا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نقاتل في سبيل الله و{ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية246). أليست نفس العملية؟ لا يمكن يقولون: أبداً. أن توجهونا إلى أشياء أخرى. نحن فاهمون [إعمل لك عناوين ثانية، شكل لك حزب تنظيم سياسي، إعمل لك عناوين وطنية، إعمل لك جبهة تحرير كذا، أو جبهة الدفاع عن كذا..] لا. يجب أن نفهم، هذا درس من داخل بني إسرائيل أنفسهم الذين الناس الآن في مواجهة معهم.
ثم انظر ماذا يمكن أن يعمل الذين يتشدقون بوطنية؟ أليسوا هم تراجعوا! الوطنيون أولئك هم هناك؟ الذين قالوا: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}(البقرة: من الآية246). تراجعوا فلم يقاتلوا لا في سبيل ديارهم، ولا في سبيل أبنائهم، عندما لم ينطلقوا في سبيل الله، وقالوا في سبيل الله ولم ينطلقوا بصدق، تراجعوا لكن الخلاصة منهم حققوا نتيجة هامة.
ثانيا : سنن إلهية في النصر والتمكين
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ [سورة البقرة الآية 214].
- النصر والتمكين الإلهي لا يخضع للموازين المادية:
يجب أن نشير إلى نقطة هامة وهي أن الله سبحانه وتعالى جعل الصراع من أجل الحق وفي مواجهة الفساد والمفسدين صراعا مقدسا، فأضاف إليه اسماً مقدساً فسماه [جهاداً]، وجعله سنام دينه، و مفتاح جنته، و ركناً من أركان دينه، بل جعله عَلَماً لِقِمّة الذوبان في محبته سبحانه وتعالى، أولم يقل الله عن أوليائه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة:54).
وبالتالي لم يخضع الله للجهاد في سبيله لموازين القوة بل وضع للناس خطوات معينة وأسباب معينة إذا التزموا بها فهو قد وعدهم بالنصر والتمكين إلى جانب الأعداد المادي قدر المستطاع ولذلك يقول جل شأنه في هذا الشأن مذكرا للمسلمين بأن هناك فئات قليلة قد غلبت فئات كثيرة ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ . فقط يدعوا الله المؤمنين المجاهدين في سبيله إلى الالتزام بأسباب النصر وقد ذكر هذه الأسباب في آيات أخرى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[الأنفال 45-46 ]
- عندما تكون جندياً لله سيضرب بك أعداءه:
يقول الله سبحانه وتعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} وهكذا يوضح الله سبحانه وتعالى أن إمكانيات أولئك المادية لن تغني عنهم {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح: من الآية7) ولذا جاء بعدها: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}(آل عمران:12).
أليست قضية ستغلبون أي لن تنفعكم أموالكم ولا أولادكم لن تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم؟ أليس هنا ستغلبون؟ في مواجهة من؟ أليست في مواجهة جنوده من المؤمنين مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في بدر وفي غيرها؟ ما هم غلبوا؟.
إذاً هذه حالة ثابتة داخل القرآن الكريم تنسف كثيراً من الأشياء التي تأتي داخل نفس كل واحد ينظر للطرف الآخر وكأنه [من الذي يستطيع] لا، اعرف هذه سنة إلهية فقط اشتغل أنت في سبيله، سر أنت على هداه فتصبح أنت جندياً من جنوده يضرب بك أعداءه، وعندما يضرب بك أعداءه سيكون أعداؤه بهذا الشكل: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ}(آل عمران: من الآية10) أو تقصر أنت يضربك بأعدائه ولا تغني عنك أنت لا أموالك ولا أولادك. ألسنا وجدنا آخرين في البلاد العربية حصل لهم هذه؟ ممن كانوا طواغيت ومتجبرين ما أغنت عنه لا جيوشه ولا أسلحته ولا أمواله!.
[سورة آل عمران ـ الدرس الثاني عشر]
- كلما كبر العدو كبرت نقاط ضعفه
مهما كان لديك من قوة وأرقام كبيرة لازم أن تبقى حالتك دائماً مشدود إلى الله ثقة به{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}(آل عمران126) هدايته, تأييده, لا ترتبط بنفسك على الإطلاق مهما بلغت من قوة, يقول: أعد كل قوة.
[هنا سؤال عن مسألة التوازن, أو التكافؤ أنه لابد من التكافؤ.]
أجاب: يوجد فهم مغلوط لمسألة التكافؤ, يعني يتصور أن القضية هي قضية مثلاً حديد, عند العرب قوة أخرى تعطل تلك القوة, ما تحتاج لها ربما خبرات نهائياً؛ لأن هذه سنة إلهية, لا يسمح للعدو أن يكبر دون أن يكون فيه نقاط ضعف كبيرة. أمريكا عندها تكنولوجيا متقدمة جداً, عندها سلاح متطور, عندها جيش كبير, عندها عتاد عسكري كثير جداً.لكن لو أن العرب قاطعوها اقتصاديا, وقطعوا النفط ـ هذا العمل هل فيه تكنولوجيا؟ أو فيه شيء؟ ـ لانهارت, لو سحبوا أموالهم من بنوكها لانهارت أمريكا.
أيضاً إذا هناك فهم لما هو التكافؤ, المسلمون ملزمون إلى أن يطوروا أنفسهم على أرقى مستوى, أن يعدو كل القوة, لكن وقوة واحدة يجب أن تكون لديهم دائماً, ومسيطرة على مشاعرهم.
مسالة التوازن, مسألة التوازن هذا نفسه, أن تفهم سنن أخرى, لا تأتي تقارن بين نفسك بأن ما عندك إلا بندق, أو عندك حاجة بسيطة والآخر عنده طائرة, وعنده كذا, فتقول متى ما قد عندي طائرات ودبابات, وعندي كذا, وعندي كذا … الخ, فسأعمل كذا, ما هو قد يقول الناس هكذا؟.
لا, افهم في الواقع بأنه هذا العدو الكبير يوجد ثغرات لديه, يوجد نقاط ضعف رهيبة جداً, يوجد وسائل في متناولك أن تعملها تؤثر عليه, وأنت في مواجهته أنك فعلاً تؤثر عليه فعلاً, خاصة في الزمن هذا, الحرب في الزمن هذا وإن بدت أرهب هي أسهل هي أسهل, ووسائل مواجهة العدو كثيرة, ومتنوعة, في متناول الناس أن يعملوا الكثير منها, ففي يديك وسائل تعيقه عن استخدام السلاح الكبير ذلك. إذاً هذا توازن أليس توازن؟ هنا التدخل إلهي, التدخل الإلهي هو يعمل عملاً كبيراً جداً, أو العمل كله يأتي من خلال التدخل الإلهي .
[مديح القرآن ـ الدرس الر ابع]
ومن الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم حول هذه السنة قصة موسى وفرعون وقصة طالوت وجالوت وقصص أخرى أما في واقعنا المعاصر فهو مليء بالأمثلة ومن ذلك صمود الشعب اليمني لأكثر من 9 سنوات في مواجهة أكثر من 17 دولة من أقوى الدول اقتصاديا وعسكريا ويكفي أن غارتهم الجوية تجاوزت ربع مليون غارة واستخدم فيها أفتك الأسلحة في مقابل فرض حصار خانق على الشعب اليمني وفي نفس الوقت الشعب اليمني كان يعاني شظف العيش وقلة الإمكانيات ومؤامرات طالت قدراته العسكرية من خلال تدمير أسلحة الجيش والكثير من المؤامرات التي سبقت الحرب..
كما يمثل صمود المقاومة الفلسطينية ولأكثر من ثمانية أشهر في وجه اعتى واحقد واطغى البشر وأكثرهم إجراما وفي ظل دعم عالمي غير محدود وفي نفس الوقت مساحة غزة صغيرة جدا لا تتجاوز 300 كم وبقصف لا مثيل له وجرائم لا شبيه لها ولكن المقاومة الفلسطينية يمثلون فئة قليلة تواجه عدو مدجج بترسانة تدميرية هائلة وأمة عربية وإسلامية تتفرج وبعضها يتآمر اللهم إلا من قلة قليلة كالشعب اليمني وحزب الله اللبناني والمقاومة العراقية وإيران الذين ساندوا المقاومة ولكنها صمدت صمود عظيم ويعتبر صمودهم وقتالهم واستبسالهم آية من آيات الله وشاهد من شواهد سننه في الوقوف مع عباده المستضعفين..
- الوعد الإلهي بالنصر لا يعني أن الناس لن يضحوا ولن يعانوا
من سنن الصراع يأتي الابتلاء فالنصر لا يعني أن الناس لن يضحوا ولن يتألموا ولن يعانوا لكن هذه التضحية وهذه المعاناة ثمنها النصر كما وعد الله سبحانه وتعالى يقول جل شأنه: ﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾، ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111). وعن هذا الجانب يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه): “ولا يعني النصر: هو أن لا يتعبوا، أن لا يستشهد منهم البعض أو الكثير، ولا يعني النصر هو أن لا يحصل لهم من جانب العدو مضايقات كثيرة، ولا يعني النصر: هو أن لا يحصل منهم سجناء.. إنهم مجاهدون، والمجاهد هو مستعد لماذا؟ أن يتحمل كل الشدائد في سبيل الانتصار للقضية التي من أجلها انطلق مجاهداً, وهو دين الله.
عمار بن ياسر في أيام صفين كان يقول: والله لو بلغوا بنا سعفات هجر – أو عبارة تشبه هذه، قرى يشير إليها في البحرين – لعلمنا أننا على الحق وهم على الباطل. يقول: لو هزمنا معاوية وجيشه حتى يصلوا بنا البحرين لما ارتبنا أبداً في أنهم على باطل وأننا على حق.. إنسان واعي، إنسان فاهم، يعرف طبيعة الصراع، يعرف ميادين الجهاد التي تتطلب من هذا النوع، يحصل فيها حالات كر وفر، يحصل حالات تداول في الأيام فيما بين الناس، يحصل كذا يحصل كذا.
فهو لا ينطلق على أساس فهم قاصر للمسألة، أن يفهم قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} إذاً سيتحرك وبالتالي فلن يلاقي أي صعوبة، وأن معنى تأييد الله هو إمداد غيبي له بحيث لا يلاقي أي عناء.. ليس هذا هو الفهم المطلوب.. وأنت واثق من المسيرة التي تسير عليها أنها مسيرة حق، والمواقف التي تتحرك فيها أنها مواقف حق، هذا شيء مهم، ثم ثق, وعندما تثق هل تثق بنصرك شخصياً؟ يجب أن تلغى، وإلا فسيكون من ينظرون إلى أنفسهم شخصياً, أن يتحقق لهم شخصياً كل تلك الوعود فهم من قد يضطربون عند أول شدة يواجهونها.
انظر لماذا تتحرك؟ هل أنت تتحرك في سبيل الله؟ ألم تكن هذه العبارة هي التي تكررت في القرآن الكريم بعد كلمة: {يجاهدون، جاهدوا، جاهِدوا؟ في سبيل الله، في سبيل الله، في الله} هذه هي الغاية, هو الهدف الذي من أجله أتحرك، أنا أتحرك في سبيل الله، وأن التحرك في هذا الميدان هو يتطلب مني أن أصل إلى استعداد بأن أبذل نفسي ومالي. أليس معنى ذلك إلغاء النظرة الشخصية والمكسب الشخصي؟ أن أتحرك في هذا الميدان لأحقق النصر لدين الله, والعمل لإعلاء كلمته وإن كان ذلك بماذا؟. ببذل نفسي ومالي، أليس معناها التلاشي؟ التلاشي المادي بالنسبة لي؟ وجودي، جسدي، وماديات أموالي، ما المعنى هكذا؟”.
خامسا: لن تنتصر الأمة إلا بتوليها للإمام علي (عليه السلام):
يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي: ((إن القرآن الكريم يوحي أنه في ميدان المواجهة مع اليهود، مع أهل الكتاب لا تنتصر الأمة إلا بتولي علي ابن أبي طالب، ولن تنتصر الأمة إلا تحت قيادة أبناء محمد وعلي ابن أبي طالب (صلوات الله عليهم).
{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}(الشعراء: من الآية63) هل أن عصى موسى هي التي شقت البحر؟ هل أن ضربة عصا ستشق البحر؟ لا، إن الله هو الذي شق البحر، ولكن لابد أن يتم على يد موسى بضربة عصى؛ ليقول لهؤلاء ولكل الناس من بعد: إن الفرج لن يتم إلا على يد أعلام، هو الذي اصطفاهم، على يد أعلام دينه، لن يتم فرج أبداً إلا على يد أعلام دينه، لابد من أن يضرب موسى بعصاه البحر ليربط الله تعالى بني إسرائيل بموسى كما ربط العرب بمحمد وآل محمد.
عندما كانوا بحاجة إلى الماء في الصحراء، في مرحلة التيه كان لابد من عصى موسى أن يضرب موسى بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا لماذا؟ ليعلم هؤلاء بأن الفرج من العدو، وأن تحقيق الخير أيضاً لهم لن يتم إلا على يد أعلام دينه، وإلا فلا عصا موسى سحرية هي التي تستطيع أن تشق البحر، ولا عصى موسى هي التي تستطيع أن تحول الحجر إلى حجر يتفجر منها الماء، إنه الله سبحانه وتعالى الذي فجر منها الماء.
هو الله سبحانه وتعالى الذي شق البحر، وشق لهم في البحر طريقاً يابساً لكن لابد أن يتم على يد أعلام دينه، على يد موسى.. كنا نقول: أبداً، وكان كثير منا نحن [الزيدية] شيعة أهل البيت الذين لا نفهم النصوص في أهل البيت، لا نفهم السنن الإلهية.
كان البعض ينشدون إلى أسامة، ويصفقون إذا ما ظهرت صورته على شاشة التلفزيون، ويترضُّون عليه، وهو وهابي! كنا نقول: مهما كان هذا الشخص لن يتم إنقاذ الأمة على يديه، هذه سنة إلهية، لو أن هناك شيء آخر يمكن أن يتحقق للأمة النجاة به خارج إطار [الثقلين] لما كان هناك معنى [لحديث الثقلين] فقط اثنين، ثقلين فقط.
لن تنجح الأمة، ولن تخرج الأمة من أزماتها، ولن تنقذ الأمة من الوضعية المهينة التي تعيشها إلا بالعودة إليهم ((ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) فإذا لم تتمسكوا ستضلون، سنن إلهية ثابتة. حينئذٍ ليتعبد المتعبدون، وليدع الداعون، وليتصدق المتصدقون، وليتركع المتركعون، لن يستجيب لهم إلا بالعودة إلى ما أرشدهم إليهم.
أوليس المسلمون يحجون كل عام؟ ويدعون الله هناك على اليهود والنصارى وعلى إسرائيل؟ أوليسوا في المساجد، في شهر رمضان، وفي غيره يدعون من مكبرات الصوت، على إسرائيل, يدعون على أمريكا، على اليهود والنصارى؛ لم يمسسهم سوء، وإذا ما مسهم شيء هناك فلن يكون ما يمسهم فيه إنقاذ لنا هنا.
إن الله قد هدى الناس، وقد عمل على إنقاذهم، وأرشدهم إلى ما فيه إنقاذهم من قبل أن توجد إسرائيل بمئات السنين عندما قال على لسان نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً)) والضلال هنا: الضلال عن الهداية، الضلال في الحياة، الضياع، الجهل، التخلف، الذلة، الاستكانة، التفرق التمزق)).
ولقد رأينا كيف تجلى ذلك في الصراع مع اليهود والنصارى في وقتنا الحاضر حيث استطاع حزب الله المتشبع بولاية الإمام علي عليه السلام أن يحرر جنوب لبنان وأن يوجه صفعات قوية للعدو الصهيوني وما زال حتى اليوم يهدد ويتوعد ويضرب بكل شجاعة مواقع الكيان الغاصب في الأراضي المحتلة ورأينا موقفهم الشجاع كما أن العراق واليمن ممن يتولون الله ورسوله والإمام علي عليه السلام كان لهم الموقف الأبرز والمشرف إلى جانب المقاومة الفلسطينية..
والخلاصة
أن النصر الإلهي يتحقق وفق السنن الإلهية ومن مبدأ القيادة الحكيمة مثل الأنبياء وأعلام الهدى من اهل البيت “عليهم السلام” ومن ثم تكون المنهجية واحدة لأمة متوحدة تحت المنهج القويم الذي اختاره الله لنا كــ خيـر أمــة.
إن النصر الإلهي ليس محصور لمستويات عالية من الإمكانات والذكاء بل يأتي في ظروف وعوامل على أيدي عباد لله المستضعفين الواعين ولنا في هذا الوقت عبرةٍ في اعلام الهدى كـــ الإمام الخميني والسيد نصر الله والسيد حسين بدرالدين والسيد القائد عبدالملك بدرالدين ;الذين اقاموا الحق وفق السنن الإلهية وسلكوا سبيل النصر.بجهادهم اثبتوا أن معيار الهدى والنصر الإلهي هو الأخذ بالأسباب وإن حصل في بعض الظروف ابتلاء وتمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب.
في واقعنا الحاضر وما تؤكده الأحداث وما يلمسه الجميع أن أمريكا تخوض الصراع ومعارك من أجل حماية “إسرائيل” وهي من تستمر في أن تبق “إسرائيل” محتلة للأرضي الفلسطينية، أن غمار الصراع أصبح الآن على قارعة الطريق ولا يخفى على أحد منا ماهي نشاطات وأعمال أمريكا وإسرائيل ومن يتولاهم من حكام وزعماء الأنظمة العربية, بما يمارسونه في حق الشعب الفلسطيني أرضاً وأنسانا بمواصلة عدوانهم وجرائمهم الوحشية التي وصلت إلى مستويات لا حدود لبشاعتها.
انها أحداث تاريخية تُسجل وتوثق ومعها تتباين المواقف وتتكشف الحقائق ويظهر فيها الصادق من الخائن والمسلم الحقيقي والمنافق ولابد لمن يسيرون على هدى الله ويتمسكون بتعاليمه والأسباب التي حددها لنصره وتمكينه لا بد أن يتحقق وعده بالنصر وفق سننه ووعده (( سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا )) {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} في غزة الصمود والثبات خلال هذه المرحلة التي تجلت كل الحقائق وكُشفت كل الأقنعة وأسقطت كل عميل وخائن.
إن سنن الله الثابتة تؤكد أن نصر عباد الله لن يكون إلا على ايدي المستضعفين الواعين وبالتالي فنصرة الشعب الفلسطيني لن تأتي من داخل القصور المتخمة بالفساد والخيانة والظلم والطغيان والعمالة بل ستأتي على سواعد المستضعفين المؤمنين بنصر الله والمتمسكين بمنهجه وممن قال الله فيهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54 صدق الله العظيم
*نقلا عن : موقع أنصار الله