محمد القيرعي / لا ميديا -
«كل أسود مقدس.. ولا نامت أعين الجبناء».
يوم الاثنين الماضي شيّعت إيران، ومعها كل أحرار العالمين العربي والإسلامي، فخامة الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وعددا من المسؤولين الآخرين الذين قضوا نحبهم إثر تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقلهم في محافظة أذربيجان الشرقية شمالي غربي إيران.
مات الرئيس إبراهيم رئيسي وهو في قمة عطائه وتألقه القومي والوطني والديني أيضا. لكن الأمر المفرح، رغم فداحة الحدث ومأساويته، يكمن في أن رحيل الرئيس رئيسي وبعض أهم أركان إدارته، وبتلك الصورة المحزنة والمأساوية والمفاجئة جدا، لم يكن له أي تأثير سلبي مطلقا على سير وتماسك الجمهورية بثورتها الإسلامية، بل على العكس من ذلك تماما، فإن وفاة الرئيس المفاجئة تلك شكلت ومن منظور موضوعي وتحليلي بحت تتويجا جوهريا لجمهورية ثورية ديمقراطية وجدت لتستمر أصلا، إذا ما قورنت بجمهوريات العوز الهشة في بلداننا المتخمة بشعارات التقدم والحداثة والزيف، والتي إذا صودف على سبيل المثال وأصيب حاكمها الأول بوعكة صحية قد تستدعي ولوجه غرفة العناية المركزة في المشفى، فإن الدولة بأكملها تضطر لمشاركته سرير الاحتضار الفعلي، وتظل مرهونة بمصيره القاتم أصلا، فإن قضى نحبه، قضت الدولة بأسرها نحبها معه وانهارت بمجمل هيئاتها ومؤسساتها وطبقاتها الاجتماعية والقومية بالصورة التي بينتها لنا خلال السنوات الفائتة أحداث الانتقال السلطوي السلمي والحداثي جدا في منطقتنا العربية، خلفا لمن سقطوا من فوق عروشهم طبعا، وليس من أعالي الجو على غرار ما حدث للرئيس ابراهيم رئيسي، بالصورة التي عايشناها ولا نزال نعايشها حتى اللحظة في كلّ من مصر وتونس واليمن والسودان والعراق وليبيا... إلخ.
فحينما سقط الرئيس صالح، من السلطة طبعا، جراء حادث تحطم شبابي سببته غيوم وتضاريس حزب الإصلاح الضبابية والمعتمة، فإن الدولة سقطت بأكملها معه ولا تزال حتى اللحظة غارقة في أتون حروبها وأزماتها الداخلية الملتهبة التي أكلت الأخضر واليابس، والتي ستستمر على ما يبدو إلى أن يبعث صالح من قبره يوم الحشر (للمثول في حضرة الرب تعالى).
وعموما، يمكن القول إن الطابع المدني والحضاري المزدوج للثورة والجمهورية الإسلامية في إيران يبرزان بجلاء في أحداث وكوارث مفاجئة كتلك؛ إذ إنها تعكس بالدرجة الأساس تراكم خبرة التجربة الثورية لدى الإيرانيين، القائمة على مبدأ استحالة رهن وجود الدولة بوجود وبمصير شخص أو أشخاص، مهما عظم شأنهم، عبر تكريسهم (أي الإيرانيين) نظاما ديمقراطيا تداوليا سلسا بكل ما تعنيه الكلمة.
هذا يعني في المحصلة أن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي لن تنتهي بحمام دم وطني، ولا إلى مبادرة خليجية (شبيهة بتلك التي أنقذت بلادنا من الغرق)، بقدر ما ستفضي إلى اقتراع وطني ديمقراطي سلمي عام سيفضي ولا شك إلى وصول خلف جديد لرئيسي، خلفا يعتنق النهج ذاته والقيم الثورية ذاتها، الصلبة والمقاومة لكل أشكال الجور والغطرسة الإمبريالية والاستعمارية والرجعية.