انهار النظام وبقيت المنظومة , رحل الساحر الكبير تاركا خلفه صغار السحرة الهائمين مع هوامهم , فلا أرضاً قطعوا ولا ظهرا أبقوا ولا يليق بهم الرقص على السلالم .
قل في فتنة البيضاء ما تريد , وتوقع أي نهاية لها , ولكن دون الوقوع في خطأين , الأول أنها مشكلة بلا حل يمنع إراقة الدماء , أما الثاني فهو أن تتحول إلى معركة عسكرية كبيرة تحقق سلاما أو أمنا . فيما عدا ذلك يتراوح القضاء على هذه الفتنة ما بين ترضيات قبلية وسياسية , أو على الأكثر مواجهة عسكرية محدودة جدا تنتهي بنهاية من سيتورط فيها بالخداع أو بالنكف لمصلحة ساحر صغير فقد كل أدواره ,( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (42) المعارج .
الفرق الجوهرى بين جماعة أنصار الله وغيرهم من الجماعات والقوى السياسية وبقايا النظام السابق هو أنهم كانوا مستعدين لللحظة التاريخية عقب سقوط النظام السابق في حين كان غيرهم يساعدون لنهب الدولة والشعب بنفس الطريقة التي تعلموها من أستاذهم الراحل والتي من المؤكد أنها لم تعد ملائمة إلا على الصفحات الافتراضية وفنادق العواصم إلا صنعاء كما نرى ونتابع .
ورغم أن العدوان على اليمن لم يسعف أنصار الله بعرض مشروعهم وتحسينه وتجويده من خلال الارتطام بالواقع في ظل ظروف سياسية ومجتمعية مناسبة , إلا أن صمودهم وصبرهم وبطولاتهم فرضت احترامهم على الجميع , ولا يقلل من عزمهم إلا شركاؤهم المتشاكسون في الوطن والمواطنة , أو حتى في مواجهة العدوان والإدارة المدنية للدولة . ولو أنهم تخلصوا من هذه العقدة لتمكنوا من هؤلاء وهؤلاء .
لنعد إلى فتنة البيضاء , ونقتحم لب المشكلة لنصل إلى نتيجة منطقية دون لف أو دوران , إن شئت الحقيقة فإن نظرة كل طرف لمقتل سيدة بالعمد أو بالخطأ هي التي ستحسم هذا اللغط . من جهة أنصار الله فانهم يتعاملون مع الحادث باعتبارهم ممثلين عن الدولة والحكومة والأجهزة التنفيذية , بمعنى أنه حادث قد يتكرر في دولة أخرى أو محافظة يمنية أخرى , لذلك يذهبون إلى تشكيل لجان للتحقيق , أو التحقيق بمعرفة النيابة العامة , أو يتنازلون إمراما للقبيلة ويلجأون للعرف القبلي إلخ الخلاصة أنهم يتعاملون مع الحادث كنظام في دولة.
أما ياسر العواضي ولا أعرف إن كان شيخا لقبيلة القتيلة أو مفوضاً من قبيلتها أو بأي صفة يتبنى المشكلة , خاصة أن لها أباً وأعماماً وقبيلة وهم أولياء الدم في نظر العرف القبلآ , ولكن سنتجاوز هذه الملاحظة الشكلية فأهل مكة أدرى بشعابها , أما توسيع دائرة الشقاق فمرده من جهة العواضي إلى أنه لا يعترف بحكومة صنعاء ولا يعترف بسلطتها سواء القانونية , أو كما وصفتها الأمم المتحدة على لسان رئيسها في جلسة عامة سلطة الأمر الواقع , هكذا بصراحة وبكل شفافية , ومهما كان موقفه من العدوان إلا أنه لا يقاومه في حدود علمنا , ولذلك لا بد من وضع حد لهذا الموقف ولأمثاله إن وجد في مناطق أخرى واقعة تحت سلطة صنعاء , إذ لا يمكن أن يكون في حماية صنعاء من يعمل ضدها , وإلا فلا هي ثورة ولا هو مشروع وطني .
ومن وجهة نظري المتواضعة وعلى قدر ما تابعت هذا الحادث , فإنني أرى أن العواضي هذا يريد ما أراده أبو سفيان بن حرب بعد فتح مكة , من دخل دار أبو سفيان فهو آمن ,لا أكثر ولا أقل . من تصريحاته وتغريداته يبدو نادما على زمن قد مضى ويعلم تماما أنه لن يعود , وبنفس طريقة أستاذه يصب النار على الزيت ثم يعود فيحاول أن يطفئها مع المطفئين .
ومن فتنة صنعاء إلى فتنة حجور ‘إلى فتنة البيضاء وما بينهم وما قبلهم وما بعدهم من فتن .وكلما شبت نار للفتنة , عد إلى قوله تعالى في سورة الزخرف 30) (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )(32) وسترى أن من بين أسباب هذه الفتنه وغيرها من الفتن ما ورد بهذه الإية الكريمة , فكل ما يخرج من مخزون الساحر الراحل يلف ويدور في هذا الإطار , وفي هذا شرح طويل .
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
لدقائق معدودة أدعوك لكي تنسى كل شيء حتى عروبتك , فالسطور القادمة ليست إعادة لمحاضرات السيد عبد الملك الحوثى , ولا تعقيب مني عليها .أدعوك لتتناسى مشاكل وأوضاع المسلمين المخزية في شتى بقاع الأرض ,.
فأنت أمام رجل لا هو إمام مسجد كبير ولا هو ملك أو رئيس دولة , ولا هو مسئول دولي , أنت فقط إمام قائد محمدي مسلم صامد , لولا لكنته اليمنية ما عرفت أنه يمني فلن تلاحظ ذلك في محاضراته , إنه محاضر يبحث عن نجاة الإنسان المسلم في الآخرة ويريد له العزة والكرامة في الدنيا , ويقدم له دينه بلا طائفية بلا مذهبية , يعرض الدين الخالص.
بحيث لا تعرف أن كان يلقي محاضراته في الأزهر الشريف أم في جامع الزيتونة , في النجف الأشرف أم في مسجد الإمام الأعظم , إنه يحاضر من أجل مجتمع مسلم عزيز وكريم , أينما وجد إسلام وأينما وجد مسلمون .