ذات يومٍ دخل أحد المجانين بيت عبدالوهاب الآنسي، فبقي متأملاً في ديوانه الضخم، وفي النقوش التي تملأ الجدران.. صمت المجنون للحظة ثم قال: «ما شاء الله يا قاضي عبدالوهاب، أمانة أنك حلَّلتها، الآن طابت نفسي وعرفت أين سارت الزلط اللي كنا نتبرع بها لأفغانسان».
ضحك المتواجدون في ديوان الآنسي كثيراً، بحكم أن هذا الكلام صادر عن مجنون ولا يؤخذ به.. وصمت هذا المجنون للتأمل في وريقات القات التي يراها كل عالمه، فهذا البذخ الذي كان يحيط به لا يعنيه في شيء، لأنه يرى أنه أكبر من كل هؤلاء المزيفين، رغم ملابسه العادية، ورغم صحته، ونوبات جنونه الصامتة التي تنتابه بين الحين والحين.
التقيتُ هذا المجنون ذات يوم وحكى لي أنه كان رفيقاً للآنسي ولشخص آخر، ثم فرقتهم الأيام.. فقلت له ماذا حدث بعد هذا؟ قال: الآنسي طلع عضو مجلس نواب، وصاحبنا الثاني طلع وزير، وأنا طلعت مجنون، لكني أعرف الحياة وأعرف الله أكثر منهم.. أنا مش مجنون قوي مقارنة بهم، لأنهم هم المجانين ومستعدين يبيعوا البلاد بيعة سارق.
تذكرت مقولة: «خذوا الحكمة من أفواه المجانين».. نعم.. المجانين يصدِّرون الحكمة لأنهم لا يحتاجون إليها.. أما العقلاء فليسوا سوى مستهلكين لهذه الحكمة التي يتلقَّفونها من أفواه المجانين دون أن يفكروا لمرة واحدة أن يكونوا هم الحكماء.
ذهبوا إلى الرياض لمباركة عدوان بني سعود على اليمن، وأصدروا الفتاوى والتصريحات التأييدية لقصف أطفال اليمن ونسائها، وباعوا البلاد بيعة سارق كما قال المجنون الحكيم.
وكان الأكثر وقاحة من كل هؤلاء عبدالله صعتر، الذي قال: «إن عاصفة الحزم جاءت بأمر الله».. ولا أحد سواه يدري كيف جاءت بأمر الله!
الريال السعودي، وحب الامتثال، والتبعية المذهبية هي التي جعلته يقول هذا الكلام.. ولم يكتف بذلك فقط، فقد قال أيضاً: «يموت أربعة وعشرون مليون يمني ويبقى مليون، هم الصالحون».. وبالتأكيد يقصد «الإصلاحيين».
تحدثت مع مجنون آخر في الحارة عن كلام صعتر، وقلت له ما رأيك؟ قال: «هذا عبدالله صعتر، والَّا عبدالله هتلر؟».
المجانين يحملون عقولاً أنظف من التي يحملها هؤلاء المرتزقة الذين كانوا يظهرون أنفسهم على أنهم حكماء وفقهاء ومجددون إسلاميون.. وحين جاء العدوان ذهبت حكمتهم ومواعظهم وخطبهم مع الريح، ووضعوا لحاهم وفتاواهم رهن إشارة ابن سلمان مقابل حفنة من المال الحرام.
* نقلا عن :لا ميديا