ليس نقصانا ولا عيبا الاعتراف بالحق ولأهل الحق، ففي هذا الفضاء الأزرق ومنذ 2009م كنا جميعا قد تورطنا في اعتماد أساليب وطرق التقاط الشهرة المهجنة واتباع خطوات الشيطان الباحثة عن القيمة الهزلية للوجود الفكري أو الثقافي، وكنت أنا مثل غيري من سفهاء ومعرعري الفيسبوك، ومن ناشطي الحريات والمنظمات، وكنت فعليا من ضمن جوقة إعلامية وحقوقية وسياسية كان يراد بها أن تجعل من اليمن دولة من دول العالم الرابع، حتى عام 2013م التقيت بصديق صدوق عرفته عن طريق الشهيد عبدالكريم الخيواني، ومنذ ذلك الحين تعلمت من صديقي الصدوق هذا ومن نصائحه كيفية اكتساب الوعي والأدب والاحترام والموضوعية والمنهجية والذوق والإنسانية والعمق في التحليل وعفة اللسان، وقول الحق وإن كان عقابه الموت جوعا، ورفض الباطل وإن كان غيثه يهمل دولارات.

أقول هذا وأعترف لله وللتاريخ، ولأنني أريد أن أوثق أني تعرضت خلال الأيام والأسابيع السابقة لعدد من ضغوط إغراءات العودة للعمل (مطبلا) أو (معرعرا) في سبيل الله، بعد أن شفيت بعون الله وتعلمت وبكل إجلال واحترام وتقدير كيفية الحصول على مسالك وطرق كثيرة للنقد بوعي وأدب واحترام وتعلمت أن العبرة في النقد تكمن في نظافة المنصة التي تطلق منها سهام نقدك، أي محاولة التخلص قدر طاقتك من الشخصنة والتجريح، كي يصل النقد إلى مراماته الموضوعية المطلوبة، وإلا أصبح نوعا من الإفلاس الفكري، الذي قد يهبط بك إلى مستوى الردح، وحتى في بعض الأوقات في الآونة الأخيرة كنت فقدت السيطرة على أعصابي وعلى لساني بسبب الغرور (شيطان الشيطان) مني، تحت عباءة الغضب الشديد مما يحدث لبلدي من تقصير وإهمال وفساد.

فما إن تتعلم كيف تعتلي منبر الوعي والقيم من خلال متابعة كلمات وخطابات ومحاضرات السيد القائد، لن تفكر بعدها ولو لمرة واحدة أن تعود إلى منابر التطبيل والعرعرة، فتسب نظاما أو تجرح في مسؤول، ولن تؤمن بشيء أبدا، غير دفع الناس ووعيهم إلى بناء المجتمع من الداخل وتعميق الوازع الديني الواعي بهدى الله وقيم كتاب الله ومشروع سنن الله في التغيير، ونقد السلبيات الاجتماعية الدخيلة وتقديم العلاج لها وتعزيز روح المبادرة الشخصية والجماعية والروح الشعبية والرسمية نحو مواجهة العدو وإصلاح الذات والأسرة والمجتمع والدولة، وهذا أهم بكثير من نقد شخص الحاكم والمسؤول أو التطبيل له، اكتسبت هذا لإيماني العميق والتراكمي أن التغيير والإصلاح يبدأ من الفرد والأسرة أولاً.

أعترف أني تعلمت من صديقي تارة بالتقريع وتارة بالسخرية وتارة بالنهر والزجر وتارة بالجفاء، ولكن كانت الطريقة الوحيدة التي علمتني حقا ووقعت في نفسي باحترامها وتقديرها كانت تلك التي جاءت بما يتوافق كليا مع مبادئي وقيمي في الكتابة، وهي طريقة وأسلوب عدم التوجيه، أو طريقة عدم طلب الكتابة الناقدة عن كذا أو كذا أو عن فلان أو علان، هذا ما منحني الفسحة الكاملة للابتعاد عن فرق التطبيل ونوادي الهشك بشك، أي الابتعاد عن الصنعة التي كلها قذارة على طول التاريخ، الصنعة الأقذر، حتى اليوم لا يوجد عند المطبلين حتى استراتيجية واضحة للتطبيل، وأنا قلت وكتبت قبل كل هذا إن التطبيل علم، يعني أن أي شغلانة مهما كانت حقيرة لها أصول وقواعد برضه، وهذا يجعلنا نتساءل أين التطبيل الوسطي حق زمان؟! أو نناشد ونطالب سادة ومشائخ ووزراء التطبيل بضرورة تجديد الخطاب التطبيلي.

التطبيع والتطبيل اليوم وجهان لعملة واحدة، تجعل الكثير يرى الوضع في اليمن بعيون تثير حفيظة الأغبياء والحمقى والجهلة أمثالي، ولكن هل يعقل أن يصل بي الجهل والتغيبب والبلادة والسذاجة الواعية، وربما الحقد والسوداوية الأخلاقية التي داخلي، لدرجة أنني لا أرى أيا من الإنجازات الضخمة لنجوم التطبيل التي تحدث حولي، فهل أنا واع أعمى وأصم إلى هذا الحد..؟! الذي لا أسمع فيه ولا أرى من يتحدث عن مشروعات التطبيل في البنية التحتية والفوقية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياحي والزراعي والطبي والثقافي الذي حدث في سنوات الحرب والحصار هذه، وكأني أنا من يمن والبعض التطبيلي هذا من يمن أخرى تماما، وهذا يجعلني أعتقد يا سادة ومشائخ وموجهي ومشرفي المطبلين أن أحدنا يتعاطى نوعا قذرا جدا من الحشيش، إما أنا، أو أنتم..!

* نقلا عن : لا ميديا