يبدو أن الحرب على الإرهاب ستعمل على خلط بعض الأوراق السياسية لبعض الأطراف، فقد بدأت الرموز والإشارات في الخطاب الإعلامي لتلك القوى تومئ إلى إشكالات الغد وتعبِّر عن إرباك اللحظة بعد أن تمكن الجيش والجان الشعبية من تحقيق الانتصارات على أرض المعركة واتسعت دائرة التأييد الجماهيري المساندة لمعركة الجيش ولجانه ضد تلك القوى التي حاولت أن تعبث بأمن واستقرار الوطن.
ومنذ زمن ليس بالقصير أجد نفسي على يقين كامل بأن العناصر الإرهابية التي تدير هذا العبث وتعمل على تفكيك بنية الدولة وتستهدف أفراد الأمن وأبناء القوات المسلحة على ارتباط كامل واستراتيجي بقوى وأطراف سياسية نافذة، وتلك القوى منذ باكورة النشأة الأولى لها وجهان ظاهر وباطن، ومن خلال تلك الحالة الازدواجية تدير شأنها السياسي، وهو الأمر الذي جعلها تفشل عبر كل حقب التكوين والتفاعل الاجتماعي والسياسي والثقافي.. ويمكن لأي متابع لمجريات الخطاب السياسي والإعلامي لتلك القوى أن يلحظ ذلك التناقض في الموقف وفي الخطاب وفي الرموز والإشارات التي يمكن تلقيها من بين ثنايا التفاعلات المختلفة ومن بين العبارات والنشاط العام إلى درجة التقاطها من قبل نشطاء الموقع الاجتماعي «الفيس بوك» فالقضية لم تعد كما كانت عليه في السابق ولم يعد وعي المواطن ذلك الوعي المتعاطف والساذج، فقد علَّمته متواليات الأحداث كيف يميز ويقرأ وكيف يفهم، وإذا ظن أولئك الناس أن لهم قدرة على كسب عاطفة الجماهير فقد وقعوا في الخطأ وظنوا ظناً خائباً لا قيمة له في واقع يتموج ويتمايز، وقد أفرزهم ذهنياً وعاطفياً، والمشكلة الكبرى أنهم لا يكادون يدركون هذه الحقيقة لأنهم يعيشون اغتراباً معرفياً عن واقعهم وازدواجاً وتناقضاً ترك واقعهم ضبابياً وبسببه يلاحقهم الفشل في كل لحظة وآن وفي كل زمن أو حالة ثورية أو انتقالية تمر بها المجتمعات التي يعيشون فيها ويتقاسمون مع الآخرين الهواء والعيش والتفاعل الحياتي اليومي.
لا أظن المعركة ضد الإرهاب من اختصاص الجيش وحده بل هي معركة وطنية ليس للجيش فيها إلاّ جبهات المواجهة والقتال، فالإرهاب منظومة متكاملة تبدأ من الحارة ومن مسجد الحارة ثم تمتد أفقياً ورأسياً إلى أن تصل إلى جبهات القتال ، فالذين يتفاعلون أو يتعاطفون مع تلك الجماعات إنما يحاربون الله ورسوله والذين آمنوا، فالدين الذي يحاربون باسمه وتحت رايته لا يقرُّ أفعالهم المتوحشة ولا يقرّ هدم العمران وإهلاك الحرث والنسل ولا قطع الرؤوس ولا استهداف الآمنين ولا حتى المسالمين، فالموت ليس قضية إسلامية وقد نص القرآن على غاياته ومقاصده وقال علماؤه بكلياته الخمس وأفاضوا في الحديث عنها ومنها النفس وحرمتها وهي من القضايا البارزة في التفاعل الإرهابي لتلك التنظيمات والجماعات وما حادث “العُرضي” عنا ببعيد، كما أن الصور المبثوثة على شبكة التواصل الاجتماعي وعلى النت تقشعر لها الأبدان، فقد شاهدنا جنوداً برؤوس مبتورة وهي الآلية ذاتها التي نشاهدها من تلك الجماعات في سوريا وفي غيرها من بقاع الدنيا، فمن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.. هذه هي المعيارية الإسلامية فالإسلام يعلي من قيمة النفس والحياة، وما يحدث في الواقع لا يمت إلى الإسلام بصلة، ومن يتفاعل معهم فهو يدمر البنية الإسلامية في كلياتها وتصوراتها ومعتقداتها ويساهم في تقديم الإسلام بصورة مشوهة.
ومن هنا يمكن القول إن المواجهات المسلحة التي حدثت وتحدث في جبهات شتى هي من أجل تصحيح المفاهيم وإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية النبيلة وإعادة الاعتبار للعقيدة الإسلامية الصافية والخالية من النزعات الجنونية والفردية ومن طبائع التوحش والغابية والفناء التي تبدو عليها تلك الجماعات في تعاملاتها مع الواقع من حولها وتعاملها مع الآخر المغاير لها.
ولعلَّ من نافلة القول إن الوقوف خلف المؤسسة العسكرية وهي تخوض معركة الأمن والاستقرار ضرورة وطنية وأخلاقية، فالإرهاب منظومة متكاملة ولا يمكن مواجهته والتصدي له إلاّ وفق آلية متكاملة تتضافر فيها كل المؤسسات والجهات والأفراد من أجل الانتصار لهذا الوطن والانتصار للأمة التي أثقلتها المشاكل والأزمات والحروب.
وظاهرة الإرهاب التي تعمل على تفكيك المنظومة القيمية والعقائدية الإسلامية لا تختص باليمن إلا كجزء من كل , فالهدف من تكامل الأجزاء لتكوين صورة متكاملة هو الوصول إلى قناعة عامة لدى الرأي العام الدولي بضرورة الوصاية على العرب والمسلمين باعتبارهم أمة متوحشة تشيع الفوضى وتشكل خطرا على الحضارة الإنسانية المعاصرة، ومثل ذلك هدف صهيوني في المقام الأول للوصول إلى دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
كانت الصورة الجزئية التي روِّج لها الإعلام العالمي في فرنسا وهي حادثة ذبح المدرس الفرنسي من قبل شاب مسلم انتقاما من تصرف المدرس تجاه الإساءة للرسول الأعظم عليه وعلى آله الصلاة والسلام مسارا يمهِّد لفكرة التوحش، ولذلك كان تصريح الرئيس الفرنسي انعكاسا للفكرة وليس خارجا عن سياقها إذ قال : “إن الإسلام يعيش أزمة” ولم يقل إن المسلمين يعيشون أزمة.
المسار الذي عليه العالم في التعامل مع الإسلام لا يخرج عن الأصوليات والمعتقدات ذات التواشج والارتباط بين اليهودية والمسيحية في التفرد لحكم العالم، ولذلك لم يكن العدوان على اليمن عبثاً، بل كان هدفه إخضاع اليمن لتمرير فكرة التوحش التي ننكرها ونحاربها، وثبت للعالم رفضنا ومحاربتنا لها.