تأمّل هذه الكلمات المعبرة جِـدًّا في الآية الكريمة: “وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى” الله (تعالى) لم يقل: (فعرفناهم)، بل قال بوضوح “فهديناهم”، والفرق بينهما كبير واضح ومع ذلك: استحبوا العمى على الهدى؛ وَلهذا يجب أن نحمد الله على نعمة الهداية والولاية والمسيرة القرآنية، ونتفاعل مع هدى الله بجدٍّ واهتمام ونغير أنفسنا ونصحح أخطاءنا، ونلتزم بتوجيهات العلم، ونطبق ما ينطق به من هدي القرآن على أرض الواقع؛ لكي ننتصر ونحظى برعاية الله ونكون جديرين بمعية الله لنا.
محاضراتُ السيد عبدالملك الحوثي في هذه الأيّام تكفي لأَنَّ نكون على أرقى مستوى في علاقتنا بالله (سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى) وفي كافة شؤون حياتنا.. معاملتنا.. نظرتنا.. تحَرّكاتنا.. توجّـهاتنا.. دروس شاملة ومن كتاب الله، كما أنه واجبٌ علينا الالتزامُ، خَاصَّة نحن الذين وفّقنا الله للجهاد في سبيله ما دامت فينا حياة، وَكذلك هو واجب الأُمَّــة المسلمة الالتزام بالقرآن وَهديه، من خلال النظر الواعي للقرآن وما يقدمه قرينُه، يمكنها بناءُ قلعتها الحصينة ومد بُرجها العالي في طباق السماء إذَا رجعت إلى القرآن، وأعلام الهدى، وابتعدت عن العلل التي تستوطن تفكيرها وتشل فهمها.
ولن تقومَ لأبناء الأُمَّــة قائمة ما لم يتهموا أنفسهم بالعجز والقصور في إدراك مرامي القرآن البعيدة التي حُجبت عنهم عندما زاغت عقولهم، وضلَّت أفئدتُهم، واتبعوا الأفكارَ المغلوطة، وَوساوسَ الشياطين من الجن ومن الإنس: علماء ومفكرين وخطباء ومرشدين وإعلاماً وقنوات تابعة للمضلين.
إنَّ النهوضَ والصلاح والفلاح والعزة والكرامة والتمكين مرهونٌ بمحاولة الاستشفاء من كافة الأمراض والعلل التي كبّلت الأُمَّــة، وعرقلت خُطاها بتلك الأفكار المغلوطة؛ لأَنَّ في حروف القرآن، في هدى الله، في كلماته وموضوعاته التي ينورنا بها السيد القائد (عليه السلام) ويوضح معانيها ودلالتها مناجم غنية، كُلَّ ما تحتاجه الإنسانية من خير لعُمران دنياها وأخرتها، فلا بد (إذن) من التفهم والاستجابة لما يدعو القرآن، وعلَم الهدى إليه.
لا بد أن تحاول الأُمَّــة تفهم الآيات بوعي أعمق وفكر أبعد، وشمولية تتسع لغايات القرآن الأزلية الأبدية لكي تنهض وتبني واقعها على أَسَاس صحيح وحينها سوف يتأهل المسلمون لاستعادة دورهم التاريخي الكبير، وهدى الله هو المدد الخلاق، والثورة المتجددة، والينبوع الفياض الذي لا ينضب معينُه أبداً، والذي يحمل في حروفه كُـلّ الأسرار الكفيلة بالنهوض والتقدم لهذا العالم الموار، ومن محاضرات علَم الهدى التي يبين معالم القرآن فيها ويخاطب بها الأُمَّــة كافة سيرشح المسلمون (لو عملوا بها حتماً) لقيادة البشرية جمعاء، والإمساك بزمام قافلتها، ففيها من أسباب النهوض ما يكفي.