يواجه الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي أولى المهام على الصعيد الخارجي، من خلال التعامل مع التصعيد الأميركي-الإسرائيلي، إثر استهداف السفينة "أم تي ميرسير ستريت" التابعة للعدو الإسرائيلي في بحر عُمان، وما تلا ذلك من حوادث للسفن واتهام إيران بالوقوف وراءها، في محاولة متجددة لممارسة أقصى الضغوط عليها، والحدّ من حقّ سفنها في الملاحة البحرية، بهدف تضييق الحصار عليها وعلى حلفائها في محور المقاومة.
يبدو أنَّ الرئيس رئيسي، وهو شخصية محافظة بارزة، سيتعاطى مع هذا التصعيد في إطار رؤيته للقوة بأبعادها المختلفة كمحور للعلاقات الخارجية، إذ من المتوقع أن تتسم السياسة الخارجية الإيرانية بمستوى أعلى من الندية، مع إعطاء أولوية لرفع الحصار والعقوبات المفروضة، من خلال محاولة إحياء الاتفاق النووي كتوجه طبيعي لإزالة أسباب التوتّر القائم مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، كما سيكون الردع أولوية إقليمية للسياسة الخارجية الإيرانية لمواجهة الأعمال العدائية للتحالف الأميركي-الإسرائيلي.
منذ وقت طويل، يقوم العدو الإسرائيلي بشكل مُمنهج، وبدعم أميركي، وبتنسيق مع بعض دول الخليج، بأعمال عدائية و"حرب ظلّ" تستهدف إيران وطموحاتها كقوة رئيسية في المنطقة، من خلال الهجمات السيبرانية وعمليات اغتيالات القيادات والعلماء، إضافة إلى استهداف مصالحها الإقليمية، ولا سيما تلك المرتبطة بمحور المقاومة.
وتُمثل حرب السفن أحد عناصر "حرب الظلّ" التي تعرضت فيها عشرات السفن الإيرانية للاستهداف من قبل العدو الإسرائيلي بشكل مُعلن وغير مُعلن، وبدعم من واشنطن، إذ تُشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن هناك 12 سفينة إيرانية تعرضت لهجمات منذ العام 2019. وتقف وراء هذه الهجمات وحدة "الكوماندوز" المسماة "فلوتيلا 13"، والتابعة لبحرية العدو الإسرائيلي، وهو الأمر الَّذي فرض على إيران ضرورة الردّ أكثر من مرة على تلك الهجمات التي تعرَّضت لها سفنها ومصالحها في المنطقة.
رغم ذلك، ظلّت "حرب الظلّ" بين العدو الإسرائيلي وإيران في إطار الفعل ورد الفعل، وتوجيه رسائل متبادلة، مع محدودية أثر تلك الهجمات المتبادلة، ولكن يبدو أنّ الأمر مختلف هذه المرة من حيث طبيعة المعطيات الإقليمية والدولية المتمثلة بمحاولات الولايات المتحدة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والتطبيع القائم بين العدو الإسرائيلي وبعض الدول العربية، إضافة إلى وصول شخصية محافظة إلى الرئاسة في إيران.
مثل هذه المعطيات دفع كيان العدو الإسرائيلي إلى محاولة توظيف الاستهداف للسفينة التابعة له في خليج عُمان وما تلاها من حوادث لسفن أخرى بشكل أكبر، وخارج إطار الفعل ورد الفعل، من خلال خلط الأوراق ومحاولة تدويل القضية لممارسة ضغوط دولية جماعية، للحد من نفوذ إيران في المنطقة. يأتي هذا التحرك في إطار الخطوة الاستباقية المُعلنة لكيان العدو الإسرائيلي الذي سبق أن هدَّد بمهاجمة إيران إذا ما خفَّفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العقوبات عنها وأعادت العمل بالاتفاق النووي.
نفت إيران، وبشكل رسمي، صلتها بالهجوم على السفينة الإسرائيلية. ولمن يعتقد أنَّ إيران تقف وراء هذا الهجوم، فهو عمل مُبرر يأتي في إطار حقّ الرد والردع المشروع لمواجهة الأعمال العدائية الإسرائيلية التي تستهدفها، كما تستهدف مصالحها المشتركة مع حلفائها في محور المقاومة، وفي مقدمة ذلك الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سفن الوقود الإيرانية، إضافة إلى المواقع الإيرانية في سوريا.
لا شكّ في أنّ أيّ تصعيد غير مدروس يُمكنه إخراج حرب السفن عن السيطرة وتحولها إلى حرب مفتوحة من شأنها تعطيل ممرات الملاحة وإلحاق أضرار بالاقتصاد على مستوى دول المنطقة خصوصاً، والعالم عموماً. لذا، تستبعد واشنطن و"تل أبيب" وحلفاؤهما في المنطقة القيام بأي عمل عسكري مباشر ضد طهران، لكونه لن يحقّق أهدافه، وستكون عواقبه وخيمة على المنطقة برمتها، بما فيها مصالح الولايات المتحدة وتواجدها، فطهران لم تعد اليوم لوحدها في مواجهة العدو الأميركي - الإسرائيلي وحلفائه، إذ ترتبط بتحالف إقليمي قوي في إطار محور المقاومة، كما ترتبط بتحالفات مع قوى دولية كُبرى كروسيا.
لذا، من المتوقع أن يكون الرد الجماعي الذي هدد به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ضد إيران ذا أثر محدود على المستوى العسكري. وقد يكون من خلال رفع وتيرة غارات العدو الإسرائيلي على ما يسميه التموضع العسكري الإيراني في سوريا. وعلى المستوى السياسي، لن يتجاوز التصعيد ضد إيران محاولة تدويل القضية في أروقة الأمم المتحدة.
من جانبها، لا شك في أن طهران سترد على أي عمل عدائي جديد قد تتعرض له، كما ستتحدد طبيعة وكيفية الرد بناء على طبيعة ومستوى الهجمات التي قد تتعرض لها، إذ قد يكون الرد الإيراني بشكل منفرد أو في إطار محور المقاومة.
الهجمات المتكررة التي تعرضت لها السفن في المياه الإقليمية لدول المنطقة، والتي تجاوزت خلال العامين الماضيين أكثر من 20 استهدافاً، وفق ما ذكره موقع "لويد سبلت" للملاحة البحرية، تؤكد عجز الأساطيل الحربية الأجنبية، ولا سيما الأميركية، عن منع تلك الهجمات، كما تدعو إلى وقف التدخل الخارجي وتحقيق الأمن والاستقرار كضرورة مُلحة للوصول إلى الأمن الجماعي لدول المنطقة، الأمر الذي لا شك في أنه سيُنهي مثل تلك الهجمات، ويضمن حرية حركة الملاحة البحرية الإقليمية والدولية.
ختاماً، من المتوقع زيادة وتيرة "حرب الظلّ" والهجمات المتبادلة بين إيران والعدو الإسرائيلي، واتساع رقعتها الجغرافيّة، مع إمكانية لجوء الطرفين إلى تكتيكات وأنظمة جديدة، إضافةً إلى التنوع في طبيعة بنك الأهداف، الأمر الذي يُرجّح الكفّة الإيرانية التي تملك عناصر التفوق والاستعداد لخوض مثل هذه الحرب بمعية محور المقاومة، إن تطلَّب الأمر. ومن المتوقع أيضاً أن تفرض إيران في نهاية المطاف تفوقاً ووجوداً عسكرياً بحرياً أكبر، يُرغم الولايات المتحدة والعدوّ الإسرائيلي وحلفاءهما في المنطقة على الإقرار بهذا الوجود والتفوق.
* المصدر : الميادين نت