|
نفق اللعبة المزدوجة.. متى يتم الخروج منه؟!
بقلم/ عبدالعزيز البغدادي
نشر منذ: 3 سنوات و شهرين و 23 يوماً الثلاثاء 31 أغسطس-آب 2021 06:56 م
يحلو لبعض رموز السياسة أو المحسوبين عليها أن يطلقوا عليها وصف (اللعبة)، وكشكل من أشكال الهروب من تبعات قذارة بعض الألاعيب نراهم يدغدغون عواطف البسطاء بالشكوى من أيدٍ خفية تديرها بما يبقي الأزمة بين السلطة والشعب في تصاعد.
هذا الخطاب يساعد السلطة والمعارضة على ادعاء حق تمثيل الشعب للسعي في كل محطة سياسية إلى تقاسم السلطة في محاولة للحيلولة دون تمكين اليمنيين من ممارسة تجربة سياسية سوية قائمة على الوضوح بغرض التهرب من وضع الأصبع على الجرح لتقييم ما نعانيه في حياتنا السياسية تقييماً صحيحاً, لذلك يستمر السباق على التقاسم غير المشروع عوضاً عن التنافس المشروع لتقديم النموذج الأصلح للحكم ، وبذلك تتحكم القوى القابضة على العمل السياسي باستمرار تقاسم المصالح بين ما يسمى السلطة وما يسمى المعارضة ليضيع كل منهما وظيفته، وتصبح السياسة بالفعل لعبة سخيفة هي سبب رئيسي للبقاء في النفق الذي يستفيد منه اللصوص والفاسدون باعتبارهم (أهل الحل والعقد) وبدون حل ولا عقد يظل اليمن أبعد ما يكون عن ممارسة تجربة سياسية مكتملة الأركان، وتزداد اللعبة السخيفة غموضاً وتوتراً.
وفي اعتقادي أنه لا يمكن لهذا البلد أو لأي بلد في العالم بناء دولة حديثة وقوية بدون تجربة سياسية حقيقية تقوم على التعددية الحزبية والسياسية الجادة بعيداً عن الكذب والخداع والمؤامرات وهذا ما اقترن به حلم اليمنيين بوحدة يشارك فيها الجميع.
ومن النفاق السياسي الادعاء بأننا قد مارسنا هذه التجربة وأنها فشلت, لماذا؟
لأننا لم نجرب الفصل بين السلطة والمعارضة وما تم تجربته هو تقاسم السلطة والمعارضة معاً خيرات البلد باعتباره (كعكة ) يمارسونها وفق مصالحهم فتبقى السياسة (لعبة) قذرة مرتبطة بالمصالح الخاصة.
ويستمر الخلط باسم التوافق كشكل من أشكال النهب المادي والمعنوي لثروات وضمير المجتمع، ويصعب تقييم أعمال السلطة التي تمارس الوصاية على الجميع كمظلة لكل الفاسدين من المكونات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني للتهرب عن مسؤوليتهما وضياع دماء الشعب بين الأحزاب الأشبه بالقبائل مع فارق لصالح القبائل وتضيع معها التجربة وتقييم أخطاء طرفي المعادلة، ومعلوم أن كل عمل يرتب مسؤولية.
في ظل هذا المشهد شديد الاختلاط والالتباس من سيأخذ زمام المبادرة للقيام بفك الارتباط ؟!؛
لا شك أن الجميع مسؤول ولكن من الجَور المساواة بين مسؤولية السلطة والمعارضة لأن السلطة لها ولاية تسيير مؤسساتها وبيدها مواردها ومن أولويات عملها التخطيط والبناء وتقييم أعمالها طبعاً ولو بإشراك المعارضة وإلا كنا أمام سلطة مستبدة إذا أطلق لها العنان في التفرد باتخاذ خطوات من شأنها إحكام قبضتها بالحكم والتحكم بمصير الدولة وسلطاتها.
هذا في الجانب النظري، أما في تقييم المشهد السياسي العملي فنكتفي بالإيماء إلى أسلوب الحكم والمعارضة في فترة تاريخية وجيزة قبيل الوحدة السياسية عام 1990 وبعيدها على مستوى دولتي الشطرين ثم دولة الوحدة التي أعتقد شخصياً أنها تضررت وتشوهت بوحدة 22 مايو 1990 وقد أشرت إلى بعض التفاصيل في مقالات مطولة وفي يوميات ومقالات قصيرة سابقة !؛
من ملامح مأزق هذا الخلط في إدارة الدولة اليمنية بالمستويات التي ذكرنا:
1- في المؤتمر الشعبي العام : يعلم قسم كبير من المحسوبين عليه أن الشهيد إبراهيم الحمدي كان أول الساعين عبر لجان التصحيح لإخراج فكرة المؤتمر إلى الوجود كإطار سياسي لإدارة السلطة في الجمهورية العربية اليمنية (الشطر الشمالي ) قبل الوحدة التي كان الشهيد/ إبراهيم الحمدي وأخوه الشهيد/ سالم ربيع علي قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها ، وكان الشهيد الحمدي يعد للمؤتمر التأسيسي بالحديدة قبل استشهاده ، وكثير من الشواهد تؤكد أن سعيه للوحدة كان ضمن أسباب جريمة اغتياله البشعة والمهينة بحق اليمن التي أشرف على تنفيذها بوقاحة الملحق العسكري السعودي صالح الهديان باستخدام بعض العناصر المحلية التافهة.
2- كان لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الشطر الجنوبي) قبل الوحدة تجربة حزبية وسياسية سبقت بها الشمال وأقطار عربية كثيرة تأسست خلالها أحزاب ونقابات أغلبها وحدوية ثم تجربة حكم الحزب الواحد وأياً كانت العوامل والمبررات فقد كانت تجربة قاسية لما صحبها من تصفيات دموية، وهذا لا يعني مثالية التجربة في الشمال فالإقصاء والعنف قاسم مشترك بين الشطرين وإن اختلفت الأساليب.
هذا المناخ الشمولي ما يزال مهيمناً لأن السلطة لم تصل إلى مرحلة الإحساس بالمسؤولية الوطنية رغم ما تطلقه من شعارات.
وبعيداً عن ضرب الميت يمكن القول: بأن المؤتمر ولد من رحم السلطة بكل تشوهاتها فهل يستطيع إعادة الولادة من رحم الشعب عبر الاعتراف بالأخطاء والعمل على تصحيحها؟؟!!
ولمحاولة الإجابة أقول: المؤتمر يفترض أن لا يكون فرداً محكوماً بالموت بل مؤسسة سياسية وإن ولدت مشوهة يمكن إعادة إنتاجها ولو باسم آخر, والحكم على أي شخص معنوي مرهون دائما بما يمارسه, ومن يراجع ما حدث لأحزاب السلطة المشابهة في دول ما يسمى بالربيع العربي يدرك ما أقول ويحمد الله على ما يعيشه، وحق الاختيار يعود لأعضائه.
ولا تختلف بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية كثيراً عن المؤتمر خاصة تلك التي ساندت العدوان البشع على وطنها ولو بالسكوت عنه!.
لوكان للموت موتٌ كنت سائلهُ * عن الحياة وإن غابت معانيها |
|
|