لا يمكن لمتابع موضوعي إلا أن يجد في تفجير مطار كابول الانتحاري، والذي نفذه "داعش" خراسان وسقط بنتيجته المئات بين قتلى وجرحى من الجيش الاميركي و"طالبان" والمدنيين الأفغان، ضربة موجعة ومؤلمة لمن تم استهدافه بشكل عام وللأميركيين بشكل خاص، وتداعياته، بالرغم من عشرات التفجيرات المماثلة التي تعرض لها الأميركيون، والتي سقط فيها عدد أكبر من تفجير كابول، فإنها قد لا تكون مشابهة لغيرها من تداعيات التفجيرات الأخرى، لا بل يمكن القول انها شكلت نقطة مفصلية في مسار (ادعاء) الولايات المتحدة الاميريكة بمحاربتها للارهاب، وقد تؤسس لمرحلة جديدة في نظرة المجتمع الدولي لهذا المسار، فيما لو تجرأت الدول الفاعلة والقادرة على مقاربة الموضوع بطريقة جدية.
مباشرة وبعد فترة قصيرة جدًا من عملية التفجير (يوم الجمعة 27 اغسطس)، أعلن الجيش الأميركي أنه نفذ عملية ضد مسؤول التخطيط في تنظيم "داعش خراسان" بطائرة من دون طيار في إقليم نانغارهار في أفغانستان، وقال الكابتن بيل أوربان من القيادة المركزية في بيان إنّ الغارة الجوّية التي نفّذت بواسطة طائرة من دون طيّار "وقعت في إقليم نانغارهار بأفغانستان"، مضيفاً إن "المؤشّرات الأولية تدل إلى أنّنا قتلنا الهدف وهو أحد "مُخَطّطي" تنظيم "داعش" في خراسان، التنظيم نفسه الذي كان أعلن في وقت سابق مسؤوليّته عن التفجير الانتحاري في مطار كابول،
لاحقًا وفي اليوم الثاني (السبت 28 اغسطس)، أيضًا أعلنت وزارة الحرب الأميركية مقتل "هدفين مهمين" في تنظيم "داعش" من "المخطِّطِين" و"العملاء"، وإصابةَ ثالث في ضربة جوية نُفِّذت بواسطة طائرة من دون طيار في أفغانستان، من دون كشف أسمائهم، وبعد أن رفض المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، توضيح إن كان الأشخاص المستهدَفون ضالِعِين في الهجوم الذي استهدف مطار كابول، يوم الخميس الماضي، وأوقع أكثر من مئة قتيل، بينهم 13 جندياً أميركياً، أشار كيربي إلى أنّ الضربة نُفِّذَت في "مهمة واحدة"، مشدداً على أنّ "تصفية اثنين من هؤلاء الأفراد لا تعني أن تنظيم "داعش" في ولاية خراسان لم يعد مصدر مخاوف"، مؤكداً أنّ الجيش الأميركي يواصل التأهب في مواجهة "هذا الخطر الذي لا يزال نَشِطا".
في مقاربة الموضوع وتحليله، هناك أكثر من نقطة لافتة يجب الاضاءة عليها، بهدف تكوين فكرة معقولة عن بعض المعطيات التنفيذية التي يتضمنها مسار "محاربة الاميركيين للارهاب"، والذي تدّعيه الولايات المتحدة الأميركية، وهذه النقاط يمكن تحديدها بالتالي:
أولًا: مباشرة بعد التفجير، صرح البيت الأبيض على لسان الرئيس بايدن، أن الأخير أعطى موافقته وتعليماته وأوامره للوحدات العسكرية والأمنية بالتعامل مع "داعش" ومعالجة كل ما يظهر بما يتعلق بعناصر أو بعمليات أو بتحركات عناصر التنظيم. اللافت في هذا الموضوع أن واشنطن تدّعي أنها تتواجد في افغانستان والعراق وسوريا وكل الأمكنة بوحداتها وبقدراتها بهدف محاربة الارهاب، ولكن محاربة الارهاب الجدية والفعالة تتطلب جهوزية كاملة وأوامر واضحة ومفتوحة للتعامل المباشر مع الأهداف الإرهابية التي تظهر فجأة والتي يجب معالجتها مباشرة دون انتظار أوامر أو تعليمات جديدة، ما قد يعيق أو يؤخر انتظارها نجاح المعالجة، الأمر الذي تظهره تعليمات بايدن الجديدة عن سماحه للوحدات العسكرية الأميريكة بالتعامل مع النشاطات والعناصر الارهابية الآن، وبعد تفجير كابول، تناقضًا في المسار الاميريكي لمكافحة الارهاب. فعمليًا لا تتم هذه المكافحة إلا حين تعرّض الوحدات الأميريكة مباشرة لعمليات التنظيمات المتشددة والّا كل نشاط ارهابي آخر هو لا يعني تلك الوحدات.
ثانيًا: مباشرة وخلال فترة قصيرة جدًا تتجاوز بشكل كبير المعدل العادي للحصول على المعلومات واستثمارها ومعالجتها، تم استغلال معلومات استخبارية دقيقة كانت موجودة لدى الجيش الأميركي عن أمكنة تواجد عناصر "داعش" خراسان، وتم استهداف العناصر المسؤولة مباشرة عن التفجير الأمر الذي يُستنتج منه أن للوحدات الأميركية قدرة كاملة في الوسائل وفي المعلومات والمعطيات الاستخبارية على تنفيذ مئات العمليات الفاعلة والناجحة ضد إرهابيين ساعة تريد هذه الوحدات ولكنها لا تقوم بذلك، إلّا من ضمن أجندة خاصة أو مناورة مشبوهة، بعيدة كل البعد عما هو مفترض في أسلوب مكافحة الارهاب الذي يجب أن يكون شفافًا وصادقًا وموضوعيًا، وغير مرتبط بأية أجندة مشبوهة أو موجهة لصالح استراتيجية الأميركيين.
ثالثًا وأخيرًا: تبين من الغارتين الجويتين في أفغانستان، وبعد معطيات مؤكدة من الأميركيين أنفسهم، أن الطائرات المسيرة التي نفذت المهمتين انطلقتا من خارج افغانستان، وعلى الأرجح من قواعد أميركية في الخليج قد تكون برية أو من على متن سفن حربية أميركية، وهذا الموضوع نضيفه الى مئات العمليات المماثلة والتي تقوم على تنفيذ غارات جوية بالقاذفات أو المسيرات، من خارج الدول حيث مكان انتشار أو انتقال الهدف وهو المجموعات الارهابية المتشددة. والأهم أنه كان من شبه المؤكد أن هكذا عمليات لم تقم الوحدات الأميركية بتاتًا بتنفيذها من داخل الدول المعنية وهذا الأمر الذي حصل ويحصل دائمًا في العراق وسوريا واليمن والصومال وبعض الدول الافريقية الأخرى يفرض تساؤلاً حساسًا وأساسيًا:
لماذا اذًا تعمد الولايات المتحدة الأميركية الى احتلال الدول التي تريد محاربة الارهاب فيها اذا كانت قادرة - وهي عمليا تقوم بذلك - على تنفيذ مهماتها من خارج تلك الدول؟ والجواب البسيط والبديهي على ذلك واضح، وهو الهدف الرئيسي للأميركيين، ليس محاربة الارهاب بل هو احتلال تلك الدول وبهدف تنفيذ استراتيجية أو مناورة خاصة بكل دولة من تلك الدول، أو انطلاقًا من كل دولة من تلك الدول، تضع محاربة الارهاب غطاء تستغله بكل وقاحة وبتجاوز فاضح لكل القوانين والأعراف الدولية.
* المصدر : موقع العهد الإخباري