كنا نتعاطف مع كل شعب يتعرض لكارثة طبيعية، ونجلس معظم النهار والليل أمام قناة الجزيرة والعربية وكل القنوات الإخبارية لمتابعة ثورة تونس، وبعدها مصر وبعدها سوريا وليبيا.. ونغيِّر صورنا الشخصية في الفيس بوك بعلم تونس وعلم مصر، وسوريا.
ولما انفجرت الثورة في اليمن لم يغير أحد صورته الشخصية بعلم اليمن، ولم يتفاعل أحد معنا، كما كنا نحن نتفاعل.
بعدها جاء العدوان. وقصف اليمن بأكملها، ودمر البنية التحتية، والمستشفيات، والمساجد، والطرقات وصوامع الغلال، وقتل الأطفال والنساء، ولم يتعاطف معنا إلا قلة قليلة على استحياء.
حتى يوم تم تفجير مسجد في الكويت. في نفس اليوم تم تفجير أربعة مساجد في صنعاء، لكن ذلك المسجد الواحد غلب مساجدنا الأربعة في كل القنوات.
حتى في بعض البرامج الإلكترونية التي تتطلب إدخال اسم الدولة، لا تجد اسم اليمن، فيضطرك أن تضبط هذا البرنامج باسم أقرب دولة خليجية...
يتعاملون مع اليمن كأنها ندبة في وجه الخريطة، مع أنها المصدر والنسخة الأولى لكل الحضارات.
نحن شعب عاطفي، ونشعر بآلام غيرنا، لأننا نؤمن بنظرية الجسد الواحد، هذه النظرية التي تختزل كل معاني الإنسانية.
يحدث انفجار في بيروت فتتحوَّل كل منشوراتنا في الفيس بوك تضامناً مع بيروت، ونحزن للضحايا الذين سقطوا، وندين ونستنكر الإرهاب، ونغيِّر صور البروفايل بصورة العلم اللبناني، أو بشجرة الأرز، أو بصور الجريمة التي حوَّلتنا كلنا إلى مفجوعين لوقوعها، وكأنها وقعت في شارعنا!
وفي مصر لو انحرف قطار عن مساره، أو قام إرهابي بتفجير حافلة سياح، نتحوَّل إلى مصريين، حتى ولو كانت كارثة طبيعية، كالأمطار أو الزلازل، لأننا نشعر بأننا أمة واحدة، وأن ما يصيب أي قُطر عربي يصيبنا بالضرورة، ونتألم بنفس مقدار الألم الذي يشعرون به.
حتى فلسطين، التي نحملها في قلوبنا ومناهجنا، وتمتلئ بها خطب الجمعة، لأنها القضية الأولى، حتى سلطة فلسطين وقفت مع صواريخ بني سعود وطائراتها، رغم أنها لم تشارك لكنها باركت وأيدت.
هذا هو قدر اليمن.. يحمل كل الخريطة في قلبه، رغم أن هناك من يحاول إزاحته عن هذه الخريطة. ولن يضيرها شيء، لأن اليمن تحمل صفة البقاء.
* نقلا عن : لا ميديا