حالة من الذهول والإنكار يعيشها النظامان السعودي والإماراتي أمام العمليات العسكرية النوعية الكُبرى لقوات صنعاء رداً على التصعيد ضدها،حيث لم تكن مثل هذه العمليات الخاطفة في حُسبان قيادة تحالف العدوان، لاسيما في هذا التوقيت الحساس الذي يُصعد فيه التحالف من عدوانه في محاولة يائسة لوقف المرحلة الأخيرة من معركة إستعادة قوات صنعاء لمركز مدينة مأرب،والضغط على صنعاء للقبول برؤى واشنطن الزائفة والمنقوصة التي لاتهدف لإحلال السلام في اليمن بل لإطالة أمد الصراع بما يُحقق مصالحها ومشاريع تمزيق وإخضاع اليمن ،وبما يخدم هيمنة العدو الإسرائيلي الحليف الأقرب لواشنطن في المنطقة.
صنعاء من خلال ضرباتها العسكرية والإستخباراتية لأدوات واشنطن تُرسل رسالة واضحة تقول ” إذا كان رفع وتيرة التصعيد العسكري ضد صنعاء قرار أمريكي غير محسوب العواقب، فصنعاء قادرة على ضبط وتيرة هذا التصعيد بما يضبط قواعد الإشتباك ومآلات التصعيد لصالحها، حيث تمكنت خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من توجيه ثلاث ضربات عسكرية وإستخباراتية قاصمة لأبوظبي والرياض، وهي ضربات لاشك أنها محل تقييم ومراجعة من قبل واشنطن والعدو الإسرائيلي.
الضربة الأولى للإمارات في المياة الإقليمية اليمنية من خلال عملية نوعية خاطفة مكنت القوات البحرية اليمنية من إحتجاز السفينة العسكرية الإماراتية ” روابي” ومصادرة شحنتها العسكرية،وقد سبق هذه العملية و رافقها تفوق إستخباراتي لصنعاء التي قدم للمجتمع الدولي الدلائل الدامغة التي تُثبت أن السفينة وحمولتها عسكرية وأن ما قامت به قوات صنعاء تجاه السفينة عمل مشروع يتوافق مع القوانين الدولية،وبذلك أخرست صنعاء أي مزايدات ونفاق للمجتمع الدولي لصالح الإمارات ،كما لم يجرؤ بيان مجلس الأمن الدولي الذي صاغته بريطانيا بطلب إماراتي على دحض تلك الدلائل التي قدمتها صنعاء ،لتظل واشنطن وبعض حلفائها في المنطقة في حالة إنكار إضطراري يُخفف حجم الفشل ويُبرر مزيد من التصعيد ضد صنعاء التي أكدت من خلال الإجراءات التي قامت بها تجاه السفينة العسكرية الإماراتية بأن أمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب جزء لايتجزاء من أمن اليمن ،وأن من تتواجد بوارجه الحربية ويفرض حصاراً على الموانئ اليمنية هو من يُزعزع أمن وإستقرار البحر الأحمر والملاحة فيه.
الضربة الثانية، فضحت فيها صنعاء فبركات الناطق بأسم تحالف العدوان تركي المالكي الذي أعلن بأن ميناء الحديدة أصبح هدف عسكري مُقدماً مقطع فيديو حصلت عليه إستخبارات التحالف يُثبت تصنيع صواريخ بالستية داخل حرم ميناء الحديدة،لترُد صنعاء على الفور ،وتكشف للمجتمع الدولي زيف إدعاءات المالكي الذي إستند في إعلانه بإستهداف التحالف لميناء الحديدة على مقطع فيديو من الفيلم الأمريكي Severe Clear ،وهو ما إعترف به المالكي معتبر اً ذلك خطأ هامشي، ليتجلى مستوى التخبط والإختراق الإستخباراتي لدى تحالف العدوان ومدى الإستخفاف بأرواح المدنيين والبُنى التحتية لليمن التي تظل رهينة فبركات معلوماتية وأخطاء هامشية تُحول كل ماهو مدني إلى عسكري ليطاله القصف وجرائم العدوان.
الضربة الثالثة “عملية إعصار اليمن”،وفيها ترجمت صنعاء بشكل عملي وسريع تحذيراتها للإمارات و لم تتردد بتوجيه صفعة عسكرية لأبوظبي التي صعرت خدها لتحذيرات صنعاء،فرغم إستمرار الإمارات في مُمارساتها الإحتلالية والعدائية على الأراضي والجُزر اليمنية، بالإضافة لدعمها وتسليحها لفصائل وجماعات متطرفة سياسياً مثل ما يُسمى المجلس الإنتقالي الجنوبي ،و متطرفة فكرياً مثل ما يُسمى الوية العمالقة ،وحراس الجمهورية ،ومع ذلك فقد ظلت منذ إعلانها الشكلي بالإنسحاب من الحرب في اليمن عام 2019 في مأمن من ضربات صنعاء العسكرية التي سبق أن جاب طيرانها المسير العمق الإماراتي طولاً وعرضا راصداً إحداثيات بنك الأهداف الحيوية والحساسة داخل هذه الدولة الصغيرة التي لاتتجاوز مساحتها محافظة المهرة اليمنية.
لم تكن العملية العسكرية التي أسمتها صنعاء “إعصار اليمن” وطالت العمق الحيوي الإماراتي مُفاجئة، بل كانت متوقعة، حيث أعلنت صنعاء بأنها سترد على التصعيد العسكري الإماراتي الحالي ضدها ،ومع ذلك فشلت الدفاعات الجوية الإماراتية في إيقاف الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية لصنعاء التي قطع مسافة تجاوزت 1000 كيلومتر لتصل إلى أهدافها الرئيسية في مطار أبوظبي ،ومصفاة المصفح التابعة لشركة أدنوك أكبر الشركات النفطية الإماراتية ، كما لم تستطع الإمارات هذه المرة إنكار هذه العملية العسكرية النوعية الكُبرى على غرار إنكارها لعمليتي إستهداف سابقة طالت محطة براكة النووية عام 2017 التي تم تأجيل إفتتاحها عقب الإستهداف ،بالإضافة لعملية إستهداف مطار أبوظبي عام 2018 ،ونشر صنعاء فيديو للعملية.
حفاظاً على عصب الاقتصاد الإماراتي القائم على الموانئ والمطارات والسياحة والنفط حاولت أبوظبي طمئنة الداخل والخارج من خلال تحجيم “عملية إعصار اليمن” التي تلقتها في عمقها الحيوي ،حيث حاولت التصريحات الرسمية والإعلامية تبسيط عملية الإستهداف وإختزالها في رواية رسمية تقول بأن أجسام طائرة صغيرة يُعتقد أنها طائرات مسيرة تسببت بالإنفجار في مصفاة المصفح وحريق صغير في مطار أبوظبي الدولي، كما باشرت شرطة أبوظبي التعامل مع عملية الإستهداف كما لوكانت حادث عرضي .
في ذات الوقت شهدت الإمارات عقب عملية الإستهداف أعلى حالات الطورئ ، وتجلى ذلك من خلال إلغاء اجتماع ولي العهد محمد بن زايد مع رئيس كوريا الجنوبية لدواعي أمنية كما ذكرت وكالة بلومبرغ،كما تسببت العملية بحالة من الإرباك والتوقف لحركة الملاحة الجوية في مطار أبوظبي،بالإضافة إلى إنخفاض الأسهم في بورصة أبوظبي وهو ما يتناقض مع تبسيط أبوظبي ويستحيل معه تحجيم مثل هذه العملية العسكرية الكُبرى، لتُصبح الإمارات “دويلة غير آمنة” كما جاء في بيان الناطق العسكري لصنعاء.
ختاماً، فالضربات العسكرية التي وجهتها صنعاء للإمارات ما كانت لتتم لولا تماهي أبوظبي مع تعليمات واشنطن وتل أبيب التي زجت بها لتتصدر مشهد التصعيد العسكري ضد صنعاء بشكل يتعارض مع سياسة التواري والتحايل التي تمارسها في اليمن ، وخروجها عن ما يُمكن إعتباره سقف التفاهم الضمني مع صنعاء التي أثار تمادي أبوظبي حفيظتها وقررت إيصال رسالة واضحة عبر طائراتها المسيرة و صواريخا البالستية .
وعلى أبوظبي تقييم الضربات العسكرية التي تلقتها في إطار تعليمات واشنطن وإعتبارها ضربات بنيران صديقة، وبأنها ستظل في مرمى تلك النيران إن لم تُبادر بإستيعاب رسائل وتحذيرات صنعاء وتنجو بنفسها وإن كان في ذلك خروج على تعليمات واشنطن التي تأكل الثوم بأفواة الأخرين وتجعل منهم مجرد دروع أمامية لحماية مصالحها.
* نقلا عن :رأي اليوم