من يحتشدون في مختلف الساحات في ذكرى استشهاد الإمام الحسين.. وَيصرخون بشعارات ثورته غضباً، فَـإنَّهم لا يحيون الواقعة ترفاً أَو استدعاء لفتنة، كما يحاول العدوّ وطابوره من المنافقين بهالتهم وإمْكَاناتهم في أن يختزلوا هذه الثورة وَيسعون إلى تأطير هذا الوعي وَتقزيم ذلك المشروع.
لا ينبغي لعاقل أن يتعاطى مع ثورة الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- كمُجَـرّدِ حدث وقع في إطار زمني، ثمّ خمد، بل بتأمل عميق سيلحظ كيف امتدّ الحدث وتوالد عبر عصور لاحقة، وُصُـولاً إلى أيامنا هذه، وبقليل من الإنصاف يمكنه الوصول إلى أن الثورة الحسينية رمز إنساني ينبض بالكثير من الدلائل وَالمعاني.
من يعيد قراءة الماضي بعقل سليم، لن يخطئ تقدير عظمة هذه الثورة وَظروفها، والأهداف التي حملتها في ذروة الظلم الذي ساق الناس كالأنعام، وتسلّط على رقابهم وضمائرهم، لن تغيب على باحث متجرد ثقافة هذه الثورة الحسينية وَما روّجت لها وثقّفت الإنسانية عليها، وكيف اختزلت مفردات العيش الحر والكرامة التي تُلائم الإنسان باختلاف انتمائه وجنسيته، أَو دينه، فهي ثورة عالمية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، كما هو الدين الإسلامي الذي حرك مفاعيلها.
من هذه القناعات تتعاظم دوافعُ الإحياء للذكرى، وما تمثلُه من إعلاء لقيم الفضيلة وَالمكارم الدينية والإنسانية بدوافع الحاجة لها في كُـلّ زمان ومكان، كما هو وفاءٌ للمشروع الذي حمله الحسين، للثورة التي خرج منادياً بها، لرفض الضيم والظلم الذي كان حادثاً ولا يزال يتوالدُ وَيتوارَثُ في كُـلّ القرون والمراحل؛ بفعل السكوت وَخوف المواجهة.
لقد كان ولا يزال قائدها القُدوة الجديرة بالمحاكاة وَبالتقليد واستشراف البُعد الروحي الذي استمد منه وأصحابه القوة، والإصرار على مقاومة أهل الطغيان، والوقوف بوجههم، وقلب معادلة الموت لصالحهم، فتحوّل وعيهم بالشهادة إلى نظرة جديدة تؤكّـد على كرامة الإنسان وحريته.
كما ستبقى ثورة أبدية بكل معطياتها وَأطرافها، رغم الأمم التي خلت والمكائد التي نصبت في طريقها قولاً وفعلاً، كتب الله لها الحياة بنا أَو بدوننا لتبقى شاهداً على صراع الحق والباطل إلى قيام الساعة.