مئات الآلاف من اليمنيين يخرجون في مظاهرات حاشدة، تغص بها أوسع الشوارع وأطولها، المشاهد التي تنقلها بعض الفضائيات على الهواء مباشرة، تعكس مساحات مترامية الأطراف من الشعب تعبر عن غضبها و سخطها من عدوان التحالف السعودي؛ الجواب الحاضر: هؤلاء جميعهم ليسوا يمنيين، إنهم أتباع إيران.
بداية أشكر بعض وسائل الإعلام التي انتبهت –وإن متأخرة جدا- لما أشرت له هنا منذ عامين ونيف، بضرورة عدم اعتماد توصيف التحالف بالعربي والإسلامي، ذلك أن الواقع الذي لا لبس فيه، هو أن هذا التحالف الصوري، والذي تم النفخ فيه ماليا وإعلاميا، ليس أكثر من سعودي بضوء أخضر أمريكي وتبعية بقية الأنظمة الخليجية خوفا من غضب ما يسمونها الشقيقة الكبرى، وشيء من السلطة المصرية مقابل كميات الرز.
واليوم لست بصدد تحميل أنظمة العدوان الإجرامي على الشعب اليمني للأنظمة الخليجية، هذا العدوان الذي تجاوز في وحشيته وهمجيته ما ارتكبه كيان العدو الإسرائيلي بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، فقد تعرضت لهذا الموضوع سابقا وهو من باب تحصيل الحاصل
.
وإنما أتوقف عند ملاحظة قد تغفلها نخب الأنظمة العربية التي لم تشارك في العدوان على اليمن، مثل الجزائر و سلطنة عمان وغيرهما، ومفادها أننا أبرياء مما يجري وغير مسؤولين على ما يقع؛ غير أن الموازين الإنسانية والدينية والقومية تحمّل الجميع الأوزار الثقيلة، بل تنوء بحملها الجبال، المترتبة عن هذا العدوان الهمجي؛ سيسأل المستقبل التاريخ، وستسأل الأمة يوما ما عن مواقفنا، وستسأل الإنسانية عن أسباب الصمت الجبان الذي أطبق على بقية الأنظمة العربية، وسيسأل الجبّار يوم الحساب، سيسألنا واحدا واحدا، وبالمناسبة وللتذكير السائل يومئذ لا يخاف ملكا ولا يخشى رئيسا،و هؤلاء لن يقفوا بين يديه بالحرس الخاص المدجّج بالسلاح، سيقفون كما ولدتهم أمهاتهم منكسي الرؤوس، وقد ضربت عليهم الذلة مسودّة وجوههم.
ودعوني من ذلكم اليوم العظيم فلو وضع له الحكام مثقال ذرة حساب لما أوصلوا الأمة الى ما هي عليه من مآسي وبؤس.
إنما أعود لموازين دنياهم، وما أكثرها و أشد تناقضها، ففي 2011/02/22 أعلنت الجامعة العربية على لسان أمينها العام حينها عمرو موسى، تعليق عضوية ومشاركة ليبيا في الجامعة، والسبب المعتمد هو وحشية نظام معمر القذافي ضد المظاهرات التي انطلقت قبل هذا القرار بخمسة أيام، نعم خمسة أيام من وحشية النظام كانت كافية ليجتمع السادة في مقر الجامعة، ويخرجون بقرار حازم لم يكتفي بتعليق عضوية ليبيا، بل وجهت رسالة للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، في نفس اليوم يدعو فيها حمد بن جاسم و عمرو موسى باسم الأمة العربية، الرجل لتحويل الملف عاجلا لمجلس الأمن، بعد تسلمه الطلب قام بان كي مون باعتماده مرجعا ورفع الطلب خلال يومين فقط أي في 2011/02/24 الى مجلس الأمن حيث كان ساركوزي يفرك يديه شوقا لاعلان حرب الحلف الأطلسي على ليبيا، وكان من أهم ما سوّق ساعتها، هو استعدادات الطيران الليبي للهجوم على مدينة بنغازي وارتكاب مجازر ضد ساكنيها المدنيين. ليبدأ التدخل العسكري الخارجي عمليا شهرا واحدا بعد عويل جامعة الدول العربية، ونحيب عمرو موسى في سابقة لا نظير لها بوقفته التضامنية مع الشعب الليبي يوما القرار العربي، حشد فيها كل موظفي الجامعة، تلكم الكتلة البشرية من متقاعدي النظام المصري،و بعض العلق من بقايا الأنظمة العربية.
مضى على عدوان التحالف السعودي على اليمن عامان ونصف العام،ولا يكاد يمر أسبوع إلا وترتكب فيه مجازر مروعة ضد المدنيين، لم يسلم منها أطفال ولا نساء ولا عجزة، في الحالة الليبية خمسة أيام استنهضت ضمائر الوزراء العرب، لكن الحالة اليمنية تجاوزت ألف يوم ويوم غير أن نفس الضمائر تحنّطت؛ اليمنيون ليسوا بشرا، أطفالهم ونساؤهم وعائلاتهم لا يحسبون بشرا، فضلا عن اعتبارهم عربا أشقاء، لذلك لابأس أن ترتكب السلطة السعودية والمتحالفين معها أبشع الجرائم.
إذا فهمنا حالة النخب التي تعيش على فتات وفضلات أنظمة العدوان، فمنها من يبرر الجرائم وقليل منهم انعقد لسانه، فما لا نفهمه هو صمت الأنظمة العربية التي نأت بنفسها في البداية عن تزكية هذا العدوان الاجرامي، وإن فهمنا نأيها في أوائل ايامه، فما لا نفهمه هو صمت القبور بعد مرور ألف يوم، كل يوم منها يحمل جرائم يندى لها جبين الإنسانية، بل يذهل من وحشيتها العدو نفسه.
أي أمر يمنع الجزائر وسلطنة عمان ولبنان مثلا لطلب عقد جلسة طارئة؟ أي شيء يمنع “الملك الهاشمي” لأن يدعو بصفته رئيس الدورة لوقف هذا الإجرام.
لا أملك في الختام إلا ما قاله مظفر النواب في عصماء قمم قمم من أولها الى قوله: اتفو على أول من فيها الى آخر من فيها..من الملوك..والشيوخ..والخدم.
* نقلا عن المراسل نت .