سيستمر الصراع بين الإنسان والشيطان إلى قيام الساعة، حيث اندلعت الحرب الشيطانية مع بني “ادم” منذ لحظة الخلق وما تلاها من أساليب اللهو والاغراء وغيرها من الأساليب المتعددة والمختلفة وتطور الإمكانات، حتى باتت اليوم تعرف بما يسمى بـ “الحرب الناعمة”.
جاء مصطلح “الحرب الناعمة” استنتاجا للعنوان الذي اختاره مساعد وزير الحرب الأمريكي السابق جوزيف ناي اسما لكتابه “القوة الناعمة”، وما يميزها عن الحرب العسكرية والاقتصادية وغيرها أنها تعمل على جذب الطرف الآخر والسيطرة عليه دون بذل القوة.
“الحرب الناعمة” في المضمون هي حرب قديمة وليست وليدة اللحظة ولكن ربما المصطلح فقط مصطلح “حديث” وأول من بدأها ابليس وتمكن من أغواء أبونا “آدم” وأمنا “حواء” عن طريق الجاذبية إلى فكرة معينة، قال تعالى “فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِیُبۡدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَ ٰ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَـٰلِدِین وَقَاسَمَهُمَاۤ إِنِّی لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ﴾ الأعراف ٢٠-٢١.
فبدأ الشيطان في إقناعهم عن طريق غرائز معينة وتغليفها بعناوين براقة، محاولا الظهور بمظهر الناصح من يريد الخير لهما ﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ﴾ الأعراف 21، وينطبق هذا على البشرية من بعد “آدم”.
هناك فرق بين الحرب العسكرية والحرب الناعمة، فالأولوية في الحرب العسكرية السيطرة على المواقع الحساسة والاستراتيجية وهي قائمة على الجغرافيا اولاً، فيما الحرب الناعمة فالأولوية هي السيطرة على الإنسان وعلى أفكاره وأخلاقه، وبالتأكيد أن السيطرة على المحتوى الداخلي هي الأخطر والبوابة الأولى للسيطرة على الواقع الخارجي قال تعالى (إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم) [الرعد:11]
وعند طمس الهوية الدينية واختراق الإنسان من الداخل يسهل على الشيطان التحكم بإرادته، وهذا ما تقوم به أمريكا وإسرائيل للعمل على السيطرة والتغيير على هوية المجتمع فيصبح الشكل الخارجي عربيا ومن الداخل متصهين متأمرك كما قال الشهيد أبو حرب الملصي (اليهودي داخل)، ولذلك “الحرب الناعمة” تعد أخطر بكثير من الحرب العسكرية.
وذكر الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في دروس المائدة “كلنا ننشأ بطبيعتنا كيمنيين مسلمين نشأنا على العداء للمشروع الأمريكي الصهيوني وهذا الكُره بالفطرة يجري في دماء اليمنيين”، وتكلمت الكثير من الآيات القرآنية عن خطورة اليهود، ومع ذلك عندما تأتي إلى الواقع نسبة ٩٠% من المجتمعات المسلمة تنجذب إلى الأفكار والمفاهيم التي يأتي بها اليهود والنصارى ويتجه الجميع نحو الانجرار إليهم واتباع مفاهيمهم وأفكارهم.
وقال الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “لأن عملهم مثل عمل الشيطان، الشيطان كلنا نلعنه لكن معظم البشر تتجه مع الشيطان انجذاب لأفكاره ومفاهيمه” قال تعالى ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ يس: 60.
وكما قال الشهيد القائد “أول الولاء يبدأ بميل وأن القاسم المشترك بينهم هو الوسوسة للقلوب إفساد القلب هذه المضغة التي اذا صلح صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد وهذا ما تسعى له الحرب الناعمة الصهيو أمريكية لتدميرها وطمس هويتها”.
من خطورة الحرب الناعمة ومن يديرها العمل على تغيير الهوية بشكل مفاجئ فالعملية تكون بطريقة تدريجية، لذلك قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ آل عمران100، يعني عملية تطويع تتحرك بعدهم عن طاعة وقناعة، وقال الله تعالى”(يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) النور٢١.
لذلك مسألة التدرج طبيعي وأساس فطري حيث يعمل العدو على التدرج لكي يحصل على النتائج المطلوبة بعد نفس طويل وبأسلوب شيطاني.
أن الصراع مسألة حتميه والقرآن الكريم حدد ثلاثة أطراف في الصراع، الحق سيواجه ثلاثة أطراف “اليهود والنصارى-المشركين – المنافقين”.
والمنافقين عادة يحكي الله في القران الكريم أنهم الأداة الفاعلة لضرب الأمة على يد الكفار بشكل عام وعلى يد أهل الكتاب بالذات لذلك سماهم الله في القران الكريم اخوان اليهود والنصارى قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ الحشر 11.
وصفهم بإخوتهم لكنهم إخوة من طرف واحد لا يوجد تبادل في المحبة والأمر، من ذلك أن المنافقين يعلمون أنه عند إنهاء مهمتهم فإنهم يتخلون عنهم وهؤلاء المنافقين هم الثمرة الطبيعية للحرب الناعمة الشيطانية لأهل الكتاب قال تعالى: (هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ آل عمران 119، حتى حبهم يكون فيه انحطاط مثلاً محمد بن سلمان يعبد الأمريكيين عباده، وترامب يقول السعودية لدينا بقرة حلوب عندما يجف حليبها سنذبحها ، يعلم بن سلمان أن أمريكا تستغله وتنهب أمواله مع ذلك يتضرع لها بكل جوارحه مع علمه أنها ستتخلى عنه في أول منعطف .
في هذا العالم هنالك ممسوخين ثقافياً وفكرياً ويتم تسويق الفساد الأخلاقي ضمن إطار مفاهيم خاطئة “الحرية الشخصية” والحرية الشخصية من منطلق غربي هي في الإسلام عبارة عن عبودية والحرية يعني الانفلات الغرائزي وهذا في مفهوم الإسلام عبودية وليس حرية والحرية في الإسلام معناها أنك شخص متزن حر عزيز لا يجر وفق إرادة فلان أو فلان ويعتمد على ضرب السلوكيات دون اللجوء إلى النقاش والصراع الفكري.
وضمن إطار منهجية القران الكريم في فضح وكشف أهل الكتاب وأدواتها واستراتيجيتهم الخطيرة “الحرب الناعمة” أو كما سمها القائد العلم السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في إحدى محاضراته بأنها الحرب الشيطانية، والتي يوضح أهدافها في ضرب ركائز المشروع القرآني، وهناك ركائز أساسية في بناء أي مشروع لا يمكن لأي أمه أن تنجح وتنهض دون هذه الركائز “المنهج، القيادة، الامة” فهم يصنعون رموز وهميه تخدم “الحرب الناعمة” وفي ذات الوقت يجرموا ويتهموا الرموز الحقيقية مثلاً حزب الله السيد حسن نصر الله، كم عملت السعودية وأدواتها على إدارات شائعات ضده وتنصيب أشخاص من الاخوان وجعلهم رموز دينيه وهم مجرد خدام للغرب لتدمير الأمة الإسلامية وتشويهها وجعل أن الإسلام مجرد إرهاب وقتل وذبح الخ.
ومن عظمة القرآن الكريم أنه لا يعطيك المشكلة ويصنع عندك حالة من الياس والإحباط، فهو يقدم المعالجات الجوهرية التي تستطيع من خلالها أن تقي نفسك من مخاطر هذه الحرب الشيطانية، بل إلى أن تصل إلى مستوى الغلبة وسحق هذه المؤامرة وعلى كل شخص أن يرتبط بالله وأن يقيم الصلاة وذكر الله، وتطبيق البرنامج اليوم وتعميق الارتباط بالله في هذه المواجهة والتسبيح والاستغفار وبنا علقة قوية مع الله قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور٢١.
وهذه الآية تدعوا الى عدم اتباع خطوات الشيطان وتقرب إلى الله وعلينا أن نعيش وفق إرادة الله فعندما تعيش وفق ما أراده الله منك فإنه لا توجد أي قوة على وجه الارض تستطيع أن تعزلك وتبعدك من الله.
وكما ذكر السيد عبدالملك الحوثي في إحدى محاضراته ببركة “الهوية الإيمانية” التي ما تبقى لنا منها وما بقى لنا الان، وما علينا أن نعززه وما علينا أن نسعى لاستكماله سننهض بإذن الله سبحانه وتعالى نهضة حضارية نحقق لبلدنا الاستقلال التام ونحقق لشعبنا اليمني الحرية والاستقلال والعزة والكرامة، ونواجه كل هذه التحديات وكل هذه الصعوبات، فهويتنا الإيمانية هي التي تجعلنا دائماً معتمدين على الله سبحانه وتعالى واثقين به متوكلين عليه ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
* نقلا عن :السياسية