|
عن الديمقراطية الليبرالية.. وكتاب نهاية التاريخ
بقلم/ عبدالعزيز البغدادي
نشر منذ: سنة و 7 أشهر و 27 يوماً الأربعاء 29 مارس - آذار 2023 03:37 ص
ذهب فوكو ياما في مقال كتبه لمجلة (The National Interest) صيف1989 بعنوان (نهاية العالم؟)
والذي حوله إلى كتابه الهام الموسوم: (نهاية التأريخ ) ذهب إلى أن إجماعا ملحوظا قد ظهر في السنوات القليلة الماضية في جميع أنحاء العالم حول شرعية الديمقراطية الليبرالية كنظام للحكم بعد أن لحقت الهزيمة بالإيديولوجيات المنافسة مثل الملكية الوراثية، والفاشية، والشيوعية في الفترة الأخيرة) مع تحفظي على جملة (إجماعاً ملحوظاً) لأن الإجماع مصطلح حوله كثير من الإشكالات خاصة في المسائل الفكرية والنقدية فكل العلوم وكل النظريات ومنها السياسية قابلة دائماً للنقد والاختلاف وإلا كان معنى (نهاية التاريخ ) نهاية الحياة وقال : (غير أني أضفت إلى ذلك قولي إن الديمقراطية الليبرالية قد تشكل “نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية والصورة النهائية لنظام الحكم البشري ” ، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ ” وبعبارة أخرى أقول إنه بينما شابت أشكال الحكم السابقة عيوبٌ خطيرة وانتهاكات للعقل أدت في النهاية إلى سقوطها، فإن الديمقراطية الليبرالية قد يمكن القول بأنها خالية من مثل تلك التناقضات الأساسية الداخلية. وليس معنى ذلك القول بأن الديمقراطيات الراسخة المعروفة في زمننا هذا، كالولايات المتحدة أو فرنسا أو سويسرا لا تعرف الظلم أو المشكلات الاجتماعية الخطيرة. غير أن هذه المشكلات هي في ظني وليدة قصور في تطبيق المبدأين التوأم: الحرية والمساواة، اللذين قامت الديمقراطية الحديثة على أساسهما، ولا تتصل بعيوب في المبدأين نفسيهما. فقد تفشل بعض دول عالمنا اليوم في تحقيق ديمقراطية ليبرالية مستقرة، وقد يرتد بعضها إلى أشكال أخرى للحكم أكثر بدائية، كالحكومة الدينية أو الديكتاتورية العسكرية، إلا أنه من غير المستطاع أن نجد ما هو أفضل من الديمقراطية الليبرالية مثلا أعلى.)
وفي اعتقادي أن هذا الادعاء يأتي في سياق كثير من الادعاءات التاريخية الدينية أو الفلسفية التي تزعم هي الأخرى أنها نهاية التاريخ أيضاً وإن بعبارات مختلفة ، وذلك واضح من خلال إرجاعه المشكلات الاجتماعية الخطيرة في بعض الديمقراطيات الراسخة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا إلى قصور في تطبيق المبدأين التوأم : الحرية والمساواة أساس الديمقراطية الحديثة وليس في المبدأين وقال تعليقاً على من انتقد الكتاب : ( وقد اختلط الأمر على الكثيرين للوهلة الأولى بسبب استخدامي لكلمة “التأريخ ” فهم إذ يفهمون التأريخ بمعناه التقليدي أي (باعتباره سلسلة من الأحداث ) لجأوا إلى الإشارة إلى سقوط سور برلين والإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الشيوعية الصينية لفرض النظام في ميدان (تيانانمن) والغزو العراقي للكويت كدليل على أن التأريخ مستمر وعلى أن مثل هذه الأحداث قد أثبتت خطئي على نحو قاطع ، غير أن ما ألمحت إلى أنه بلغ النهاية لم يكن وقوع الأحداث بما في ذلك الأحداث الخطيرة والجسام ، بل التأريخ : أي التأريخ من حيث كونه عملية مفردة متلاحمة وتطورية متى أخذنا بعين الاعتبار تجارب كافة الشعوب في جميع العصور ،) فوكو ياما ص (8) واستند في تأييد نظريته إلى رأي كل من الفيلسوف الألماني ج- ف- ف هيجل وكارل ماركس بأن تطور البشرية ليس إلى ما لا نهاية وفسر هذا الرأي بأنهما افتراضاً “نهاية للتاريخ” ، ويبدو أن فرضية فوكو ياما هذه قد أوقعته في مأزق التفريق بين الأحداث وبين التاريخ فما هو التاريخ سوى وقائع وأحداث ؟!
وفوكو ياما لا يختلف كثيراً بهذه النظرية عمن سبقه ممن ادعى أن ما جاء به هو آخر ما يجب أن يتوقف عنده التأريخ، إذ من الصعب التفريق بين التاريخ وأحداثه التطورية المتلاحقة، وتطبيق آخر مراحل النظرية الرأسمالية الليبرالية لا يعني أنها قد أغلقت الباب في وجه كل جديد والتجارب الإنسانية والنظريات العالمية تداخلت وتلاحقت فيها الرؤى الدينية والفلسفية ومختلف التجارب والتطبيقات التي نتج عنها صراعات وحروب عانت وما تزال البشرية تعاني من آثارها وارتداداتها بدعاوى دينية وفكرية متنوعة، وباستمرار الحياة تستمر النظريات والأفكار والرؤى والصراعات، أي أن ما انطبق على ما سبق الرأسمالية الليبرالية ينطبق عليها كذلك رغم ما قدمته للبشرية وبخاصة في مجال الحريات وحقوق الإنسان كنظرية بغض النظر عن بعض الممارسات وازدواجية المعايير التي تحكم وتتحكم في تسيير قرار بعض الدول الرأسمالية المتحكمة بجزء كبير من السياسة الدولية وإدارة الصراعات والأزمات وكيفية التعامل والمواقف المتناقضة من الأنظمة القمعية والديكتاتورية بتغذيتها هنا والوقوف ضدها هناك.
قد شربنا كأس الجحود سنيناً * وعبرنا بحر الظلام قروناً |
|
|