بينما كنتُ أستمعُ إلى كلمة السيد القائد عبدالملك الحوثي -بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد -عليه وعلى أبيه وجده السلام- ليلةَ البارحة- وأتأمَّلُ كلماتِه وعباراتِه عبارةً عبارة وكلمةً كلمة، وجدتُ وكأن الرجل قد اطلع على ما في نفسي أَو ما يدور في خاطري من تطلعات وأفكار؛ فبدأ يتلوها ويقرأها قراءة الخبير والمطلع على كثيرٍ من التفاصيل والعارف بمكامن الداء وأماكن الدواء، سواءٌ أكان ذلك في مجال الدعوة إلى الصبر والصمود والتحدِّي والحِفاظ على تماسك ووَحدة الجبهة الداخلية، أَو في مجال الدعوة إلى التأهُّب والاستعداد والإقبال على مجمل الخيارات وكافة الاحتمالات.
في الحقيقةِ لقد استطاع السيد القائد في خطابه هذا أن يُسقِط، وبكُلَيماتٍ معدوداتٍ، كُـلَّ ادِّعاءات وافتراءاتِ الخصوم بحنكةٍ عالية ومهارة فائقة تنُمُّ عن عبقريةٍ جريئةٍ وفذةٍ وناتجةٍ عن معرفة واطلاعٍ واسع وإلمامٍ شامل بطبيعة الوضع القائم بكل التواءاته وتعرجاته وتعقيداته المختلفة.
فصاحتُه المعهودة -وما يصاحبُها من بلاغةٍ وانسيابيةٍ في الطرح والتنقُّل من فكرةٍ إلى أُخرى- تعكسُ حقيقةَ انتمائه إلى مدرسة فكرية وتنويرية عظيمة وعريقة تجعلك تدركُ جيِّدًا أنك أمامَ إنسان ليس بالسهل عليه أن يكونَ فريسةً سهلةً للتأثر السلبي أَو عُرضةً لسطوة الأفكار المستوردة من خارج الحدود، بل على العكس من ذلك؛ فشخصيةُ الرجل تبيِّنُ أنه من النوع الذي يكون أقربَ إلى أن يكون مصدرَ إلهام لكثير من الناس؛ فلا هذه الدولة مثلاً أَو تلك يمكنُ لها أن تمرِّرَ سياساتِها وأجنداتِها الخَاصَّةَ عبرَ هكذا نوع من القادة والملهِمين والذين تجدهم لا يعتزُّون بشيءٍ كما يعتزون دائماً بأنفسهم وهُويتهم الوطنية والعربية والإسلامية.
وهنا يأتي السؤال: بالله عليكم، من أحق أن يُتبَّع: شابٌّ بسيطٌ لا يميِّزُه عن عموم البسطاء من الناس شيءٌ سوى أنه حين يتكلم، يتكلَّمُ بالقرآن ويدعو إلى القرآن ويرتادُ المساجدَ ويحملُ على عاتقه هَمَّ وطنه وأمته وما تعانيه من هوانٍ وفرقةٍ وانقسام، أم شابٌّ متخَمٌ هناك بالمال والغرور وبالكاد يستطيع أن يتكلم العامية، ناهيك عن الفصحى؟!
شابٌّ لم يعرف له طريقاً سوى مسارح اللهو وأندية القمار في أُورُوبا وأمريكا حتى أنه -وكما قيل- قد اشترى ذات مرةٍ؛ ولغرض الترفيه وَالاستجمام، (يختاً) و(طائرة) فاخرةً بما يعادل في قيمته ميزانيةَ دولةٍ بأكملها؟!
بصراحة عندما أرى معارِضي وخصوم الصنف الأول هم من مناصِري وداعمي الصنف الثاني، ازدد يقيناً أن انطباعي عن شخصِ السيد القائد هو التصور الأقرب إلى حقيقةِ شخصية الرجل.
عموماً، وبالعودة إلى خطاب السيد القائد، نلاحظ أنه لم يفوِّتْ فرصةَ دعوة قوى العدوان إلى استثمارِ فُرَصِ السلام والاستفادة من مرحلة خفضِ التصعيد هذه، لكنه، وفي الوقت نفسه، قد شدّد على عدمِ البقاء مكتوفي الأيدي طويلاً أمام ما يعانيه شعبُنا من عدوان وحصار وتجويع، مؤكّـداً على جُهُوزية شعبنا وجيشنا للتعامل مع خيارات واحتمالاتٍ أسوأ.
وبهذا يكون السيد القائد، في اعتقادي، قد أجمَلَ كُـلّ ما يجولُ في نفسي ونفوسِ الكثيرين ممن يتمنون لهذا الوطن الخروجَ منتصِراً غيرَ منكسرٍ أَو مرتهنٍ للأجنبي.