على وقع التحذيرات المتصاعدة من صنعاء واقتراب الفرصة الأخيرة من خط النهاية، حطّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مسقط قادماً من نيودلهي بعد قمة العشرين، في زيارة وصفت بـ "الخاصة". ويبدو أن لها صلة بالملف اليمني، باعتبار ما تقوم به السلطنة من جهود وساطة لإنقاذ ما تبقّى من فرص السلام، فيما من المقرّر وفق مصادر سياسية مطلعة أن يتوجّه وفد عماني الخميس برفقة الوفد الوطني إلى صنعاء، تمهيداً لجولة مفاوضات مقبلة في إحدى العواصم الخليجية لم يعلن عنها حتى اللحظة.
وفي هذا الشأن كشفت مصادر على صلة بالمفاوضات أن الرياض طلبت من صنعاء تشكيل وفدها للجولة المقبلة، المحتمل أن تكون مباشرة بين صنعاء والرياض، فيما تجد حكومة المرتزقة نفسها خارج المعادلة التفاوضية تماماً، رغم حديثها عن ضرورة تشكيل وفد لها مكوّن من الفصائل المنقسمة والمتباينة.
هذا الحراك الدبلوماسي والسياسي يأتي عقب أيام من حديث صنعاء على لسان الرئيس المشّاط عن امتلاك أسلحة جديدة متطورة، تستطيع القوات المسلحة إطلاقها من أي نقطة في اليمن إلى أي نقطة في دول العدوان، وكشفه عن تجربة بحرية ناجحة أربكت حسابات القوات المعادية في البحر. ويبدو أن صبر صنعاء نفد، وأنها باتت ترى لزاماً تفعيل العمليات الاستراتيجية ما لم تصل المفاوضات إلى حلول عادلة للملفات الإنسانية، وفي مقدّمتها ملف الرواتب ورفع الحصار، وكل ما يتصل بالملفات الإنسانية.
وحتى لا نبقى في أرجوحة التفاوض من دون حسم للملفات الإنسانية منذ قرابة العام ونصف العام، يفترض أن تكون سلطنة عمان نجحت في إقناع ولي العهد السعودي بتنفيذ المحدّدات اللازمة للسلام، وتلك هي الضامن الحقيقي لعدم تجدّد دورة التصعيد، وإلا فإن صنعاء في حِلّ من أمرها لتفعيل معادلاتها الاستراتيجية الرادعة، وقد باتت تملك أسلحة متطورة ربما تكشف عن بعضها خلال الأسابيع القليلة المقبلة والحاسمة، وفق بعض التسريبات.
رسائل تحذيرية في البحر
بعيداً عن التسريبات، يبدو أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في إيصال رسائلها عملياً إلى القوات المعادية في البحر، كرسائل تحذيرية تمهّد لما هو أكبر وأوسع وأشد إيلاماً، إن لم تحصل انفراجة في الملفات العالقة، وتتوقّف الأعمال العدائية من قبل تحالف العدوان.
وفي هذا السياق كشف الرئيس المشّاط خلال الأيام الماضية، من محافظة عمران، عن عملية نوعية نفّذتها القوات المسلحة بأحدث ما وصلت إليه القوة الصاروخية من تقنيات وقدرات. وهنا من المفيد الإشارة إلى بعض التجارب التي أجرتها القوات اليمنية على أسلحة لم يكشف عنها بعد، وحقّقت نجاحات مهمة.
وآخر تلك التجارب تمت في نهاية آب/أغسطس المنصرم، وأربكت القوات المعادية في البحر، باستهداف السفينة الحربية الأميركيةUSS Indianapolis (LCS-17)) في البحر، بحسب ما أعلنه الرئيس المشّاط قبل أيام من محافظة عمران، وأضافت مصادر أنه تمّ إجبار السفينة الحربية الأميركية على الابتعاد عن المياه الإقليمية اليمنية بينما كانت ترافق سفينة حربية أخرى تتبع البحرية الإيطالية وتدعى (آي تي إس لويجي ريزو إف 595)، بحسب ما كشفه حساب (القوات البحرية المشتركة) في منصة إكس، وهي القوة البحرية التي أنشأتها وتقودها الولايات المتحدة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
هذه التجربة التحذيرية ليست سوى رأس الجليد، وجزء من الوعيد اليمني، وربما قد نكون أمام عمليات مشابهة أكثر، أقسى، وأنكى ضد الدول التي تصرّ على مواصلة حصار اليمن، وتعميق معاناة اليمنيين.
وصنعاء سبق أن أعلنت بأنها لا تشكّل تهديداً وخطراً على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وأن الذي يشكّل خطراً على الملاحة الدولية هو إجراءات العدوان الوحشية، والتهرّب من التزامات المرحلة، بما فيها الحصار وملف الرواتب والقضايا الإنسانية، التي يشكّل تعطيلها عامل تفجير لمرحلة خفض التصعيد.
وفي المعادلة فإن على السعودي أن يدرك بأن السلام في اليمن هو الممر الإجباري لأيّ طموح اقتصاديّ، وأنه لا يمكنه بناء سكك حديدية ومشاريع تنمية واستثمارية، وشراكات إقليمية وعالمية من دون ذلك.
المأمول من جولة المفاوضات الجديدة
نأمل أن تكون الزيارة وجولة المفاوضات المرتقبة في إحدى العواصم الخليجية فرصة لحلحة الملفات والتهيئة لما بعدها، لأن الاستقرار والأمن مصلحة مشتركة للجميع، وألا تبقى مرحلة خفض التصعيد بلا أفق واضح، وبلا زمن محدّد ومفتوحة على المجهول، وألّا تتحوّل إلى أمر واقع، مع استمرار الحصار، والعبث بجغرافية اليمن بكل أريحية، وتعزيز الحضور العسكري الأجنبي بدلاً من الانسحاب، وكأنّ اليمن بلد مشاع ومستباح.
على عكس ما كان يأمله البعض من أن تحالف العدوان بعد أن وصل إلى طريق مسدود وفشل في الخيار العسكري، لربما أكرهه الفشل المرير، وضرورات المرحلة اقتصادياً واستثمارياً، وطبيعة المتغيّرات الدولية، وفرضت عليه مقاربات جديدة تفضي إلى إحلال السلام في اليمن، لكنّ شيئاً من ذلك لم يتحقّق حتى اللحظة. فلا الثروة سخّرت لصالح المرتبات والخدمات، ولا ملف الأسرى تمّ حلّه، ولا دول العدوان أعادت الإعمار ورفعت الحصار، ولا القوات الأجنبية انسحبت من اليمن.
وتتنامى المخاوف من عدم جدية تحالف العدوان في حل هذه الملفات في الأمد المنظور، لأننا أمام عدو يريد أن يكسب بالدبلوماسية ما فشل في تحقيقه بالحرب المدمّرة، ويشجّعه على تجميد الملف اليمني وتجميد الحلول، جمود العمليات العسكرية الاستراتيجية باتجاه العمق الاستراتيجي والحيوي وعصب اقتصاده.
صنعاء: خيارات الضرورة
إذا لم يكتب للجولة المرتقبة النجاح، وبقيت المرحلة الراهنة على حالها من دون أي خطوات إيجابية، فمن المتوقّع، بل من المحسوم، أن القيادة وصلت إلى قناعة تامة بإنهاء مرحلة خفض التصعيد كخيار ضرورة. والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي سبق وحسم الموقف، وقالها بكل وضوح في خطاب الخامس والعشرين من محرّم بذكرى استشهاد الإمام زيد، بأنه لا يمكن السكوت والقبول ببقاء المرحلة وتفعيل الخطة "باء"، في إشارة إلى استراتيجية التحالف الهادفة لـ "تفجير الوضع من الداخل"، في ظل انقطاع المرتبات، وتفاقم الوضع الإنساني والاقتصادي.
أما في حال أصرّ العدوان على هذه الاستراتيجية وفشلت الجهود مجدداً، أعتقد بأن السيد القائد سيحسم الموقف في ذكرى المولد النبوي خلال الأيام المقبلة، وربما يكون له موقف مختلف وأبعد مما جاء في خطاب محرّم، خصوصاً أن الوسيط العماني مُنح من الوقت ما فيه الكفاية، ودول العدوان هي الأخرى منحت من الوقت ما فيه الكفاية، والقادم مبشّر إن شاء الله بإنهاء وتبديد كل آمال تحالف العدوان ورهاناته على إسقاط اليمن من الداخل.
ونحن هناك لسنا من عشّاق الحرب ودعاتها، لكن لسنا من أنصار الانتظار السلبي إلى أن يحل الفأس في الرأس، ويجني العدوان ما يريده من بقاء هذه المرحلة الخطرة، ونحن في حالة علّ وعسى، وسوف وربما، فالحكمة ليست في الصمت ولا في الانتظار، بل في انتزاع حقوق الشعب واستحقاقاته بكل ما هو ممكن ومتاح من قوة، وما هو متاح وممكن فيه الكفاية لإعادة الأمور إلى نصابها.
وإذا أراد اليمنيون أن يسلموا من شر دول العدوان فعليهم العمل بالمثل الأميركي القائل: إذا أردت السلام فاحمل السلاح، إذا كنت تريد السلام فاحمل السلاح، إذا كان اليمنيون يريدون السلام فليتحدَّوا أميركا، وليرفعوا السلاح بوجهها ووجه أدواتها، ساعتئذ ستعدّل ومعها أدواتها في الإقليم مقارباتها ومنطقها من اليمن ومع اليمن.
* نقلا عن :الميادين نت