إنَّ الفرحة بحلول شهر رمضان لا يعدلها شيء.. ولا يوجد أحد لا يشعر بالسعادة و الفرحة تَغمُر روحه و نفسه.. و تحيط به من كل مكان و العبرة تشرئب في صدره عندما يُوفق ببلوغ شهر رمضان المبارك..
لكن بلوغ شهر رمضان الكريم هذا العام كان أشبه بالحلم لكثير من أبناء الشعب اليمني العزيز المظلوم..
فالكثير مِنّا ربما كان يشعر أنَّ بقائه إلى رمضان الحالي أشبه بالحلم!!
نعم، ففي شهر رمضان الماضي قبل عام من اليوم كان الموت هو المُخيّم.. و كانت أرواح الأبرياء تتصاعد إلى السماء كأنسامٍ حزينة باكية تشكوا ما حلَّ بها لمولاها.. بينما تتساقط أجسادهم المغدور بها ظلماً كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف.. و قد عصفت بها رياح هوجاء باردة كبرود مشاعر أصحابها و جمودها و تجردها من القيّم والإنسانية..
كم كُنّا نشعر أنَّ مصيرنا سيكون هو نفس مصير أولائك الضحايا الذين لم يكونوا يعرفوا ما هو ذنبهم؟ و لماذا استبيحت أرضهم و على ما أُُريقت دمائهم على ثراها الطاهر!!
تُرى هل نسي ذلك الصغير صوت الطائرات التي كانت تُزمجِّر في كل وقت و تسرِق منه ضحكته البريئة؟ أم_هل نسيت تلك الأم طفلها المتشبث بصدرها و هو يقول لها.. أُماه خبئيني فالصاروخ سوف يقتلني.. فلا تعرف كيف تخفف عنه الرُّعب الذي قد سكنها و تملّكها و كتم على أنفاسها..
أم_هل سينسى ذلك الشيخ المريض.. ماذا أجرم؟ حتى يهتز بيته بِكُل تلك الوحشية و يظن في كل لحظة أنه واقِعٌ على رأسهِ لا محالة..
هل سينسى هذا الشعب العزيز المظلوم ما استُبيح منه في شهر الله؟
هل سينسى أنه لم تَكُن هناك أي حرمة لأرضه ولا لممتلكاته ولا لِدمائِه حتى في شهر الصوم؟! حتى في شهر الله!!
هُنا..
هُنا فقط كانوا عادلين في نشرِّ الذُّعر و تخويف الآمنين.. هُنا فقط كانوا عادلين في توزيع الموت و خطّفِّ الأرواح.. و في تدمير كُلَّ شيء جميل ضاقت بِهِ ذرعاً أنفسهم القبيحة..
حتى في شهر الله.. لكن أنَّى لهم أن يعرفوا حرمة شهر الله و هم لم يعرِّفوا قدر الله سبحانه و ليس له حرمة في أنفسهم!! و هم من باعوا أنفسهم لِعبدتِ الشيطان.. و هم أنفسهم من دفعوا ثمن العمالة و الإرتهان..
كانوا عادلين..
فكانت طائراتهم التي تُزمجِّر في آناءِ الليل لم تنسى أطراف النهار..
كانوا عادلين.. فكما قصفوا المصانع و المنشئات لم ينسوا المنازل و الطرقات..
كانوا عادلين.. فلم يسلم من إجرامهم الصغار ولا الكبار.. و لا الأصحاء في الأسواق ولا المرضى في المستشفيات ..
كانوا عادلين...
لم ينسوا قتل النساء والأطفال في منازلهم ولا العمال في مصانعهم.. قصفوا المدارس كما قصفوا قُبات المساجد..
صبوا جامَّ غضبهم على المدن و لم ينسوا الأرياف..
كان رمضان كالفطر.. و العيد كأي يوم آخر فالقتل و التدمير فيه سواء..
ظلال الموت التي ألقوها على الأحياء السكنية .. لم يسلم منها حتى المهمشين في خيامهم العادية..
قصفوا الكلية الحربية و لم ينسوا الأعراس من ضرباتهم الجهنمية..
حتى البحر كما البر.. فكله عندهم سواء..
لم ينسوا أن يحيلوا زرقة البحر إلى اللون الأحمر القاني من دماء الصيادين..
لم تسلم من قصفهم الجسور ولا حتى القبور.. فلم ينسوا حتى أن يُفزِّعوا رفات الأموات..
رغم سعادتنا و نحن نستقبل هذا الشهر الكريم.. لكن.. ثمة مشاعر حزن تُخيّم على أنفسنا مما لا يمكن نسيانه مما حلّ بنا ممن يفترض أنهم كانوا لنا أخوة و جيران.. و مما حلَْ بإخوة لنا فأصبحوا في ذاكرةِ النسيان..فهل يمكن أن ننسى ثأرنا مهما تعاقبت الأزمان؟