عندما يفشل العدو في منع انطلاق الصواريخ وتقويض قدرات المقاومة، وفي حماية مستوطنيه في الشمال على الحدود مع لبنان ويلجأ لتهجيرهم رغم صيحاته وتهديداته بتدمير لبنان وحزب الله، وعندما تتكلل خيبته في محاولة جس النبض لعملية برية فينصب المقاومون له كمينا في غزة ليلوذ جنوده بالفرار تاركين آلياتهم، فإن ذلك لا يعني إلا الانهيار العسكري.
وعندما يفشل الكيان في وضع مقاربة سياسية ويلعب معركة صفرية لا تستند إلى فائض قوة أو خطط عسكرية أو لوجستية ويعلن عنواناً فضفاضاً وهو القضاء على "حماس"، ولا يستطيع وضع آلية للتفاوض على الأسرى رغم تدحرج هذا الملف في جبهته الداخلية محدثاً أزمة متصاعدة توجت بمشهد فريد، وهو مظاهرات احتجاجية على رئيس وزراء يقود الحرب، فهو انهيار سياسي.
لذلك كان وصف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لحال الكيان في غاية الدقة عندما قال إن "النظام السياسي والأمني للكيان الصهيوني قد انهار وآلة القتل التابعة له هي التي بقيت تعمل فقط ضد المدنيين".
هذا ما يفسر حالة الهستيريا التي أصابت الكيان وجعلته يعالج الخطأ بالخطأ ويدخل في دائرة مفرغة من الخطايا السياسية والأخلاقية متخلياً حتى عن الذرائع والأكاذيب التي وضعها لكسب الرأي العام العالمي في بداية هذه الجولة في 7 أكتوبر.
وعليه، فإن العدو اليوم خلع جميع أقنعته ويلعب معركة مكشوفة مبرزاً وجهه القبيح والإجرامي ومستنداً إلى أمريكا وغطائها السياسي، في اعتراف صريح بأن العالم في جوهره تحكمه شريعة الغاب ومنطق القوة والقتل.
لكن ما غاب عن وعي المعسكر الإجرامي، أن القوة ليست حكراً عليه، وأن الصبر الاستراتيجي له حدود، وأنه لو لم تكن القوى متساوية فإنها متكافئة، ولو كان التفوق في آلات القتل له فإن توازن الرعب متوفر، وأن الحرب الكبرى لو اندلعت مهما كانت خسائرها على جميع الأطراف، فإن طرفا وحيدا لن يتحملها وهو الكيان نفسه!
ربما تعي أمريكا ذلك وتعلم أن صديقها أحمق وأن أعداءها المتمثلين في محور المقاومة من العقلاء، فحاولت وضع مقاربة لتحييد المقاومة، ولكن هذه المقاربة الفاشلة تثبت أن التشخيص الأمريكي لأعدائها فاشل، وأنها لا تتمتع بمهارة "اعرف عدوك".
وبصرف النظر عن وصف ما تفعله المقاومة الإسلامية في لبنان، وهل هو "قتال عنيف" أو مجرد بعض من بأسها، إلا أن الشاهد هنا هو أن هناك انخراطاً بالمعركة وفقاً لتشخيص دقيق وتنسيق على أعلى المستويات مع بقية الجبهات، وأن الأمور تسير وفقاً لما تتطلبه المعركة ولا يستطيع أحد تحديد نطاق التدخل ومدى انزلاقه وفقاً لما أعلنه المحور بأن كل الاحتمالات مفتوحة وواردة.
ولا بد من أن تعي أمريكا وربيبتها أن ما حدث في الأيام الماضية ومنذ 7 أكتوبر سيكون نزهة إذا ما قورن بما سيحدث عند تدخل المقاومة بمحورها وإعلان المعركة الكبرى بما لا يجعلها جولة، بل ربما تكون مشهدا ختاميا لكيان آثر أن يبدأ بالمجازر ويختم وجوده بها!
الفيصل بين محور المقاومة وغيره، هو المصداقية وأنه لا يردد الشعارات، واللقب الأشهر لسيد المقاومة سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، هو "صاحب الوعد الصادق".
تتحدث التقارير عن فقد "إسرائيل" ما يصل إلى ست قاذفات دفاع جوي من طراز القبة الحديدية. وفي وقت سابق، ظهرت معلومات تفيد بأن أربع منشآت من هذا القبيل قد تضررت نتيجة لعمليات المقاومة الفلسطينية، وتم تنفيذ هذه الهجمات إما عن طريق هجمات صاروخية واسعة النطاق غير موجهة أو عن طريق طائرات انتحارية من دون طيار.
كما تجري حالياً مناقشة المعلومات حول احتمال خسارة "إسرائيل" منصتي إطلاق إضافيتين، وهو ما قد يصل إلى ست قباب حديدية مفقودة. وتتأكد هذه المعطيات بشكل غير مباشر من خلال إرسال "إسرائيل" طلبا إلى الولايات المتحدة لإعادة منصتي إطلاق من هذا النوع، سبق أن تم نقلهما إلى واشنطن لتحليلهما واختبارهما.
كما تتحدث الأوساط العسكرية الروسية عن عدم قيام العدو بعمليته البرية وترجع السبب إلى فقدان الكيان 32 دبابة "ميركافا" ومقتل 40 ضابطا، وامتلاك "حماس" أسلحة دفاع جوي يمكنها استهداف المروحيات التي تشكل غطاء جويا للهجوم.
هذه الخسائر والمعوقات لن تقاس بأول ساعة يتخذ بها المحور قراره بمحاسبة الكيان ووقفه عن مجازره ضد الأطفال والنساء تعويضاً لفشله وانهياره.
تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الأمريكيين من المكتب البيضاوي -في الخطاب الثاني فقط من نوعه خلال رئاسته- وهو خطاب في وقت الذروة من المكتب البيضاوي، حيث ربط الصراعات في "إسرائيل" وأوكرانيا كجزء من نضال أكبر من أجل الديمقراطية والحرية!
وزعم بايدن أن قيادة الولايات المتحدة في هذه الأزمات العالمية ستجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً. وقال إن هذا الأمان سيكون له ثمن، ودعا الكونجرس إلى تمرير حزمة مساعدات "غير مسبوقة" لأوكرانيا و"إسرائيل"، لكنه أخبر الأمريكيين أيضاً أن تكلفة الابتعاد عن هذه الحروب ستكون أعلى بكثير.
هذا يوضح أن أمريكا ماضية في المعركة وأن الكيان هو فرصتها الأخيرة في الهيمنة بعد ملامح الهزيمة البادية في معركتها مع روسيا والتي اتخذت أوكرانيا ملعبا لها، وربطت أمريكا بين روسيا وحماس والمقاومة عموما ووضعتهم في خانة "الشياطين"، ووضعت نفسها وربيبتها "إسرائيل" والغرب المنافق في خانة "الملائكة" وحملة راية الحرية والديمقراطية، في معركة بين الخير والشر.
هنا يمكن استعادة مشروع نابليون الاستعماري والذي حاول وضع بذرة "إسرائيل" وتلاه "وعد بلفور" ثم المجازر التي أسفرت عن النكبة وإنشاء الكيان، وهو ما يعني أن هذا الكيان رأس حربة الهيمنة ووكيلها رغم أنه ملفوظ لدى هذه الدول التي تستخدمه!
وبالتالي فإن المعركة الآن مع الشيطان الأكبر وستكون ثمرتها أكبر وأهم من ثمرات المعارك الأخرى في تغيير النظام العالمي.
* نقلا عن : لا ميديا