أغلب الأنظمة الرسمية العربية ترغب بعودة عقارب الساعة إلى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، ومحاولاتها، مؤخراً، الدفع باتجاه إحراز بعض التقدم الملموس في ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، تأتي لامتصاص ما تواجهه من حالة سياسية ملحة في الداخل بسبب التعاطف الجماهيري مع الفلسطينيين والغضب من "الإسرائيليين".
مع تطورات الأمور في المنطقة ومراقبة السلوك الأمريكي المنافق تجاه الأحداث والذي لا يراعي إلا أمرين رئيسيين، هما الأمن الصهيوني، والانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومحاولة التوفيق بين الأمرين وإخراجه في صورة المقاربة الأمريكية الراهنة والتي تصيب الكثير من التحليلات بالقصور، ولاسيما التحليلات التي لا تتبنى حقيقة أن أمريكا هي القائد الفعلي للعدوان، فإن هناك أموراً جديدة تتكشف لتؤكد حقيقة الصمت العربي وتكشف كثيراً من فضائحه.
وقبل الخوض في هذه التفاصيل الفاضحة للصمت الذي يعد فضيحة في ذاته، تجيء الإشارة إلى أن الرؤية الأمريكية للنصر الحقيقي هي أنه ليس مجرد تفكيك "حماس"، بل من خلال استبدال شيء آخر بها يتسق مع النموذج المفضل للسلطات الطيعة العاملة مع أمريكا والكيان الصهيوني، ومن خلالهما.
وربما كشف ذلك روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، والخبير في السياسات العربية والإسلامية وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، والذي فضح الكثير من الأمور مستندا إلى ما قاله المسؤولون المحليون خلال رحلته الجماعية الأخيرة إلى مصر والمملكة السعودية والأردن و"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية.
ولعل أخطر ما قاله روبرت ساتلوف هو أن الدول العربية تأمل في السر أن تتمكن "إسرائيل" من تدمير "حماس"، حتى إن أحد كبار المسؤولين العرب قال: "إن إسرائيل تقاتل من أجلنا في غزة، وإذا فازت، فسوف تنجح في هزيمة وكيل إيراني للمرة الأولى منذ أربعين عاماً".
وكشف ساتلوف أن الدول العربية تود عموماً عودة عقارب الساعة إلى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، وأنها تواجه حالة سياسية ملحة في الداخل بسبب التعاطف الجماهيري مع الفلسطينيين والغضب من "الإسرائيليين"، مما دفع هذه الدول إلى توجيه طاقاتها نحو إحراز بعض التقدم الملموس في ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، وهي طاقات لم تكن موجودة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وبخصوص السعودية، كشف ساتلوف أنه تم إحراز بعض التقدم اعتباراً من السادس من تشرين الأول/ أكتوبر في الصفقة السعودية "الإسرائيلية" الأمريكية الثلاثية "المدوية" التي يرغب السعوديون في إتمامها، لكن لا يبدو أن السعوديين يريدون بذل الكثير من الجهود لتحقيق ذلك. فمن وجهة نظرهم، إن الأمر متروك للولايات المتحدة لإقناع "إسرائيل" بأنه من المنطقي أن يرتفع اليوم الثمن الذي يجب أن يكون "الإسرائيليون" مستعدين لدفعه للسعودية.
ويؤكد ساتلوف من خلال رحلته للمنطقة ولقاءاته، حقيقة أن السعوديين يرغبون بشدة على ما يبدو في إبرام معاهدة للدفاع المشترك مع الولايات المتحدة، وأن العائق الأمريكي يكمن في تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي على أول معاهدة للدفاع المشترك بين الولايات المتحدة ودولة أجنبية منذ عقود.
وبالمثل، تريد "إسرائيل" التطبيع بشدة باعتباره الطريق للخروج من العزلة التي تواجهها "إسرائيل" حالياً ولأنه يمنح الكيان تحالفاً إقليمياً استراتيجياً واسع النطاق في مواجهته مع إيران، لكنهم غير مستعدين لدفع الثمن حتى بحل شكلي للدولتين.
نحن إذن بصدد تحالف عربي رسمي مع أمريكا والكيان يراهن على هزيمة حماس ومحور المقاومة ويريد إخراج المشهد فقط بشكل يحتوي التعاطف الشعبي ويراهن على الوقت لتمرير الانتخابات الأمريكية وإلحاق المزيد من الدمار بغزة والرهان على تفكيك المقاومة، وتفيد الشواهد بأثمان تقبضها الأنظمة العربية سواء على المستويات الاقتصادية لحل أزماتها المستحكمة وكذلك وعود بمعاهدات مشتركة مع أمريكا.
ولكن كل ذلك يبقى من جانب واحد من الصورة، وهي المنظور الأمريكي الصهيوني والرسمي العربي التابع، بينما هناك جانب آخر بالصورة يرسمه المقاومون على الأرض ومحور كامل بيده إتمام الصورة الكاملة للمشهد والنتيجة النهائية للصراع وتبقى العين دوما على الميدان.
* نقلا عن : لا ميديا