تخالف الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المراكز المهمة ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التشبث به وإثباته من كونها قوة متربّعة بعيدة عن المنافسة، وبالتالي ما تبديه من سياسات متعجرفة ينساق لها بعض الانهزاميين الدائرين في فلكها من دون حراك أو حد أدنى من المقاومة.
لقد كشف مؤخراً مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية الأمريكي أن القاعدة الصناعية الدفاعية الصينية تتفوق على القاعدة الصناعية الحربية الأمريكية، موضحاً أن القاعدة الصينية تعمل على أساس زمن الحرب، في حين تعمل القاعدة الأمريكية إلى حد كبير على أساس زمن السلم.
كما يفتقر النظام البيئي الصناعي الحربي الأمريكي إلى القدرة والاستجابة والمرونة لتلبية احتياجات الإنتاج الحربي للجيش الأمريكي، محذراً من أنه ما لم تكن هناك تغييرات عاجلة، فالولايات المتحدة تخاطر بإضعاف الردع وتقويض قدراتها القتالية. وبيّن المركز أن الصين تستثمر بكثافة في الذخائر وتحصل على أنظمة ومعدات أسلحة متطورة أسرع بخمس إلى ست مرات من الولايات المتحدة. كما تعدّ الصين أيضاً أكبر شركة لبناء السفن في العالم، ولديها قدرة على بناء السفن أكبر بنحو 230 مرة من الولايات المتحدة، وتمتلك الصين أحد أحواض بناء السفن الكبيرة، وهو حوض بناء السفن في جيانغنان، والذي يمتلك قدرة أكبر من جميع أحواض بناء السفن الأمريكية مجتمعة.
وهنا نحن أمام مفارقة لافتة، إذ بالرغم من أن شركات السلاح الأمريكية حققت أعلى المبيعات لكنّها تفتقد الغطاء الذي يساعد في الحفاظ على ذلك، تماماً مثلما حدث مع افتقاد الغطاء النقدي الذي يغطي عملتها التي تسود العالم.
وعلى مستوى التفوق التكنولوجي ومجال المعلومات والإنترنت؛ هناك ثغرات أمنية كبرى يمكن أن تهدم هذا البناء القوي، وقد كشفت حادثة واحدة وقعت في أثناء معركة طوفان الأقصى هذا الاهتراء، فقد تباطأ الاتّصال بالإنترنت بين أجزاء من آسيا وإفريقيا وأوروبا فجأة في 24 فبراير/شباط الماضي عندما تضررت ثلاثة كابلات تحت البحر في البحر الأحمر. وتسبب ذلك في «تأثير كبير على شبكات الاتّصالات في الشرق الأوسط»، وفقاً لشركة الاتّصالات في هونج كونج «إتش جي سي جلوبال كوميونيكيشنز»؛ حيث يعد البحر الأحمر نقطة اختناق للتجارة البحرية العالمية.
وتفيد المعلومات بأن 90% من الاتّصالات بين أوروبا وآسيا و17%من حركة الإنترنت العالمية تمرّ عبر الكابلات تحت مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 14 ميلاً. ونحو 97% من البيانات العالمية تمرّ عبر بضع مئات من الكابلات، وتعدّ هذه الكابلات حيوية لاقتصاد المعلومات العالمي، حيث تمتد لمسافة تزيد عن 1.4 مليون كيلومتر وتربط كلّ دول العالم ببعضها تقريباً. ويتزايد هذا العدد مع قيام شركات التكنولوجيا الكبرى بوضع وتشغيل الكابلات الخاصة بها، حيث تتحكّم الآن شركات Amazon وGoogle وMeta وMicrosoft وحدها في نحو نصف إجمالي النطاق التردّدي تحت سطح البحر في جميع أنحاء العالم.
ويكمن الخطر، كما يحدده الخبراء الأمريكيون، في أن كابلات قاع البحر وغيرها من البنية التحتية تحت سطح البحر، مثل خطوط أنابيب النفط والغاز أو مزارع الرياح المحيطية، معرضة للخطر. وكما أبرزت حادثة البحر الأحمر، فسرعان ما أصبحت نقطة الضعف في الاقتصاد العالمي.
كما أعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم بشأن مشاركة شركة هواوي الصينية في العشرات من مشاريع الكابلات العالمية في قاع البحر، والتي قد تسمح للصين بتوصيل أجهزة تعمل على تحويل أو مراقبة حركة البيانات أو إلى قطع الروابط مع دول بأكملها في حال الصراع.
نحن، هنا، أمام نمر أمريكي من ورق، ولا نستطيع المجازفة بالقول إنها قوة وهمية، حيث ماتزال تمتلك قوة عسكرية واقتصادية ونفوذا يعود معظمه للخوف والتبعية وإدمان الارتهان لمعظم القوي العالمية، باستثناء الدول والحركات المقاومة، ولكننا بصدد قوة تعتاش على التخويف ولا تستند إلى فائض حقيقي للقوة يمكنها من ممارسة الهيمنة وفرض الشروط كما كان بالماضي.
ونحن أمام مقاربة كاشفة لهذه الحقيقة، وهي حرص أمريكا على الكذب واستخدام مساحيق التجميل السياسية، فهي تدعي الحرص على حل الدولتين وإيصال المساعدات، مع أنها تقود العدوان على غزّة وتموله وتوفر له الغطاء السياسي، وأي قوة كبرى متمكّنة، ستمارس هذا الدور اللعين بصراحة وفجور؟ بينما تسعى أمريكا لارتداء الأقنعة وممارسته خبثاً وعلى استحياء، وهو ما يؤكد تراجعها.
ربما تكون هذه الحقائق فرصة حقيقية للخائفين من التمرد، بينما يدرك المقاومون ذلك ومستمرون في مواجهتهم لأمريكا، وهم من واجهوها وهي متربعة على عرش العالم وعندما كانت أقوى وتستند إلى فوائض للقوة أكبر كثيراً من الراهنة.
إنّ العائق الحقيقي والأخطر أمام تحرير فلسطين هم الخائفون والانهزاميون والخونة والعملاء، وهم أخطر كثيراً على المقاومة من العدوّ وراعيه الأمريكي.
* نقلا عن : لا ميديا