كان واضحاً منذ البداية أن التغيير الجذري الذي أعلن عنه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وباركته الملايين من الحشود الشعبية التي أيدته، لن يكون مجرد حكومة جديدة بدلاً عن الحكومة الحالية، أو تغييرات شكلية بعملية استبدال فاسد بمقصر أو مقصر بفاسد، وكانت المحددات التي وضعها قائد الثورة للمرحلة الأولى من التغيير الجذري بدءاً بتشكيل حكومة جديدة..
تشير إلى أن الحكومة القادمة ستكون من الكفاءات التي تُجسد الشراكة الوطنية، وتعمل على تحديث الهيكل المتضخم في الحكومة، من خلال تغيير الآليات والإجراءات المعيقة، والتوجه الجاد نحو تصحيح السياسات والسلوكيات العملية في خدمة الشعب وتعزيز حالة التكامل الرسمي والشعبي بخطوات مدروسة تفضي إلى النهوض بالبلاد ومعالجة التركة الثقيلة في الجانب الاقتصادي.
ومما لا شك فيه أن اهتمام قائد الثورة بإحداث تغييرات جذرية، يأتي من منطلق حرص القائد للحفاظ على ما تم تحقيقه في الجوانب العسكرية والأمنية، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة تحدث قائد الثورة في خطابات متعددة عن الوضع المزري والفساد في مؤسسات الدولة، ودعا إلى محاربة الفساد كضرورة ملحة في مواجهة العدوان والحفاظ على الجبهة الداخلية التي أثقل كاهلها العدوان والحصار والفساد والإهمال والتقصير، وكانت الدعوة لشاغلي المناصب الحكومية بمثابة نصح وإنذار، وهو يدعوهم إلى أهمية الاقتراب من الناس والقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم تجاه هذا الشعب الصامد والمضحي والذي يستحق الكثير من التقدير والاهتمام.
أمام هذه الدعوات الصادقة والجادة لقائد الثورة، حاول الجانب الرسمي تفعيل دور الأجهزة الرقابية، ولكنه اصطدم بعراقيل قانونية وإدارية تحول بينه وبين الانطلاق في معركة محاربة الفساد، ولم تتوقف المحاولات وتم التوجه نحو فتح باب الشكاوى وأنشئت صناديق وإدارات ومراكز وأقسام لذلك في مختلف المؤسسات الحكومية، ونجحت هذه الخطوة نوعاً ما في بعض المؤسسات فيما اكتفت بقية المؤسسات برصد وتقييد الشكاوى دون أي حلول تذكر، واستمرت المحاولات في المنظومة العدلية ومكتب المفتش العام بوزارة الداخلية، وبرزت في هذا الجانب تحديات كبيرة، ناجمة عن بعض الاختلالات في السلك القضائي، و»البيروقراطية» المملة في أروقة القضاء وتكديس الملفات والسجناء دون فصل في القضايا.
كل هذه الجهود كانت محل تقييم ودراسة يبدو أن خلاصتها كانت ضرورة اعتماد مبدأ الصدمة والتهيئة في معركة التصحيح، وكانت الصدمة بالإعلان عن التغيير الجذري وإقالة الحكومة بكل وزرائها بشكل مستعجل، للانتقال إلى تهيئة المجتمع، وهنا لعب التأييد الشعبي والرسمي وتفويض قائد الثورة بالتغيير الجذري دوراً كبيراً في ترسيخ فكرة التغيير لدى كل اليمنيين، لأن التغيير لن ينجح إذا لم يكن مسنوداً بالرغبة الجمعية نحو الانتقال من مرحلة إلى أخرى، لاسيما وأن الفساد ترسخ في السلوك المجتمعي بطريقة تسبق فساد شاغلي الوظيفة العامة بمراحل متقدمة.
ولأن المؤسسة القضائية تمثل حجر الزاوية في التغيير الجذري تتضمن المرحلة الأولى تصحيح أوضاع هذه المؤسسة وتنظيفها من كل المقصرين، وتعديل القوانين واللوائح التي تعيق العدالة من أجل الفصل في القضايا، وإفراغ أدراج المكاتب من الملفات، وتفريغ السجون من العالقين على قائمة الانتظار منذ سنوات.
الضامن الوحيد لنجاح هذه المعركة هو الإشراف المباشر من قائد الثورة على مسار التغيير الجذري، وبدا واضحاً حرص القيادة على الشراكة الوطنية والمجتمعية كشرط أساسي للعبور، وهذا نلمسه من خلال الدعوات المتكررة، لكل الأطراف السياسية بضرورة العودة إلى صف الوطن الذي يتسع للجميع وأثبتت صنعاء أنها هي الحاضنة للمشروع الوطني وعاصمة كل اليمنيين.
باعتقادي أن تأخير الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة ما هو إلا رغبة في استمرار المحاولات لإشراك الجميع في السلطة، وتأتي تحركات رئيس لجنة المصالحة الوطنية ومهندس الاتفاقات السياسية يوسف الفيشي في هذا الإطار، ومن المتوقع أن تقدم صنعاء «خلطة حكومية» تجمع بين الكفاءات والشراكة الوطنية الشاملة، كمبادرة نحو تحقيق السلام الشامل بين كل اليمنيين، وكانت قيادات بارزة بحزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، وأحزاب اللقاء المشترك، أعلنت تفويضها الكامل لقائد الثورة، لإجراء تغييرات جذرية في مؤسسات الدولة، وأبدت القيادات الحزبية دعمها لهذه الخطوات التي من شأنها تحقيق المصلحة الوطنية العليا وتجاوز حالة المحاصصة والتقاسم في الوظيفة العامة، في ظل مساع وجهود متواصلة لدعوة كل شركاء وفرقاء العمل السياسي إلى الالتفاف حول القيادة في جبهة وطنية مشتركة تسهم بفاعلية في صناعة مستقبل اليمن الذي يتمناه وينتظره جميع اليمنيين.
* نقلا عن : لا ميديا