إن ما تمتلكه فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة من السلاح لا يوازي حتى 1% مما يمتلكه الكيان الإسرائيلي، إلا أن ذلك التسليح المتواضع استطاع بكل بساطة أن يحد من عجرفة الجيش الصهيوني، ويُظهر إسرائيل في موقف حرج، ينذر باقتراب رحيلها الأبدي.
في لبنان أيضاً، وخلال عقد التسعينيات، نجحت المقاومة الإسلامية في إلحاق أول هزيمة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأجبرته على الانسحاب ليلاً من الجنوب بعد سلسلة من الانكسارات المتعاقبة، بيد ثلة متواضعة من الرجال.
ومع ذلك لا تزال الأنظمة العربية تنحني بخضوع وذلة أمام إسرائيل، ويخشى حكامها أن يستعملوا مفردة واحدة من شأنها أن تزعج أحبار اليهود في تل أبيب.
لا غرابة في ذلك، فالموقف الأول نابع من الواقع، ويٌدرك حجم إسرائيل الفعلي، بينما الآخر يتصور إسرائيل كما تُصّور هي نفسها عبر ماكينتها الإعلامية الضخمة، والتي من خلالها حكمت العالم برمته.
“إن الإعلام هو السلاح الأول للدفاع عن الشعب اليهودي”، كما يقول مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتسل، وبالفعل فقد نجح اليهود في خلق إمبراطورية إعلامية بكل اللغات لضمان مصالح إسرائيل، وتشتيت أي مخاطر من شانها لنيل من الكيان الصهيوني.
إن الدعاية والحرب النفسية من شأنها أن تقلب الموازين رأساً على عقب، ورأينا كيف تمكنت قناة “الجزيرة” القطرية من هدم الروحية القتالية لدى الجيش العراقي، وإعلان إسقاط بغداد قبل سقوطها الفعلي في أبريل 2003.
وعلى ذلك المنوال جرت السياسة اليهودية وبأساليب مختلفة؛ ففي الغرب يقدم الإعلام إسرائيل ككيان متحضر ومسالم بين محيط همجي ومتخلف، في نفس الوقت يصور جيشها كقوة جبارة أمام خصومها العرب.
وبمجرد أن يتحقق نصر عملي ضد إسرائيل على الأرض، يتحرك وكلاؤها للتقليل من قيمة ذلك الإنجاز، وجعله مادة للسخرية في مختلف الوسائل الدعائية.
والحقيقة أنّ إسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت، كما قال السيد حسن نصر الله في خطاب النصر بمايو 2000، إلا أن ذلك الكيان الهش يستمد قوته من ضعف العرب، ويراهن على الدعاية النفسية لإبقائهم على تلك الحالة، لضمان أمن اليهود في فلسطين لأطول فترة ممكنة.
الحرب النفسية ضد العرب لا تقتصر على وسائل الإعلام، حيث يمتلك الكيان الإسرائيلي سيطرة مباشرة على أجهزة سياسية داخل الوطن العربي، عملها التشويش على أي تحرك مقاوم، والتقليل من جدوى المواجهة مع إسرائيل.
ورغم أن اليمن مثلاً تقع على مسافة بعيدة عن فلسطين المحتلة، إلا أن إسرائيل تمتلك قوة إعلامية ليست بالهينة للتحكم بعقلية الجماهير في البلاد، ويظهر ذلك جلياً في حجم التسطيح والتسخيف للتحرك اليمني ضد إسرائيل، وإضعاف معنوية الشارع لإيقاف دعمه للقضية الفلسطينية من جهة، والتهويل من خطورة ردة الفعل القادمة من إسرائيل رداً على قصفها.
إن أحزاب وجماعات يمنية الشكل تأسست فقط للدفاع عن مصالح اليهود والغرب في البلاد، وأشرفت على تأسيسها السفارة الأميركية في صنعاء وبتمويل اللجنة السعودية الخاصة، وهو ما ظهر إلى العلن مع أحداث الربيع العربي عام 2011، بعد أن اختلف الرفاق وكشف كل واحد منهم ما لدى الآخر من أوراق.
وقد أسهمت أحداث غزة اليوم على كشف الكثير منهم، وكيف أنهم يفضلون أن تبقى فلسطين تحت الاحتلال اليهودي على أن يحررها محور المقاومة، الذي باتت اليمن اليوم جزءً منه.
إلا أن الميزان في اليمن يختلف عن غيره في سائر الدول، فقد أعطت الحرب النفسية مفعولاً عكسياً ضد اليهود، وبات اليمانيون كافة يتطلعون أكثر وأكثر للمشاركة في كل عملٍ عسكري أو مدني من شأنه تحرير فلسطين ودحر اليهود منها وإلى الأبد.